في بيان فضل الجهاد، بكسر الجيم المحاربة مع الكفار، هو في اللغة مصدر جاهد في سبيل الله، وفي الشرع: الدعاء إلى دين الحق، والقتال مع من لا يقبله، كذا في (التحفة)، شُرعَ بعد الهجرة اتفاقًا، اقتبس المصنف هذه الترجمة من قوله تعالى في سورة النساء:{فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[النساء: ٩٥]، وهو فرض عين إن هجم الكفار، فتخرج المرأة والعبد بلا إذن الزوج والسيد؛ لأن حق الزوج والمولى لا يظهر في فروض الأعيان كالصلاة والصوم، وكذا يخرج الولد بغير إذن والديه، والمديون بغير إذن دائنه، وفي غير هذه الحالة لا يخرجان إلا بإذنهما، وكذا في كل سفر فيه مشقة؛ لأن الإِشفاق على الولد مضر بوالديه وعلى الديون، ومضر على دائنه، والأصل فيه قوله تعالى في سورة التوبة:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة: ٤١]. قوله:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا}، أي: اخرجوا في سبيل الله صحاحًا ومراضًا، أو شبابًا وشيوخًا، أو ركبانًا ومشاة، أو خفافًا من السلاح وثقالًا منه، أو فقراء وأغنياء، يعني لا تهنوا عن الغزو، وقوله:{وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: في دينه وطاعته، قوله:{ذَلِكُمْ} أي: الجهاد في سبيله، قوله:{خَيْرٌ لَكُمْ} مِنْ تركه، قوله:{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، أي: تصدقون بأن للخروج إليه ثوابًا، وللجلوس عنه عقابًا. قيل: نسخت هذه الآية بقوله: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} الآية [التوبة: ٩١].
وقيل: لم تُنسخ، لأنه إذا وقع النفير عامًا يكون فرضًا عامًا، وإذا لم يكن عامًا فبخروج البعض سقط عن الباقي، كذا في (عيون التفاسير) لأحمد بن محمود السيواسي، وفي (الذخيرة) عند النفير، وهو أن يهجم الكفار يصير الجهاد فرض عين على من يقرب من العدو، وهم يقدرون على الجهاد، وأما من عداهم فمن بعد ففي حقهم فرض كفاية إذا لم يحتج إليهم، فإن احتيج بأن عجز القريب أو تكاسل ولم يجاهد يكون فرض عين على من يليهم، ثم وثم إلى أن يتقرر على جميع أهل الإِسلام شرقًا وغربًا.