للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[باب الرؤيا]

الرؤيا، بضم الراء المهملة وسكون الهمزة وفتح التحتية ثم ألف مقصورة مصدر كالرؤية، فجعلت ألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث للفرق: ما يراه النائم واليقظان، غير أن الرؤيا كالقربى مختصة بما يكون في النوم وأن الرؤية كالقربة مختصة بما يكون في اليقظة، فالرؤيا ما خلفه الله تعالى في قلب النائم من الإِدراك على نحو ما يدرك في حال اليقظة بواسطة الحواس الخمس الباطنة كما قاله أبو البقاء في (الكليات) والزرقاني في (شرح الموطأ) لمالك ملخصًا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين من النبوة" (١) كذا رواه مالك في (الموطأ) بالواسطة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله: "الحسنة" أي: الرؤيا الصادقة أو المبشرة، قوله: "الصالح" أي: غالب رؤيا الصالحين، وإلا فالصالح قد يروي الأضغاث والأحلام، فالمراد بالجزء جزء من علم الله النبوة، وهو الاطلاع على بعض الغيب، فمن أخبره بما لم يره فقد افترى على الله كذبًا، بل هو أعظم جناية من كذب اليقظة حيث يدعى الاتصال بعالم الملكوت وحلول الفيض عليه، فإن قيل: إن كان المراد من علم النبوة (ق ٩٤٣) إطلاعًا على بعض الغيب كان للكافر نصيبًا منها كرؤية صاحب السجن مع يوسف صلوات الله على نبينا وعليه، ورؤيا ملكهم وغير ذلك.

وقد ذكر أن جالينوس عرض له ورم في المحل الذي يتصل منه بالحجاب فأمره الله في المنام بفصد العرق الضارب من كفه اليسرى فبرئ.

أجيب بأن الكافر وإن لم يكن محلًا لها، فلا يمتنع أن يرى ما يعود عليه بخير في دنياه، كما أن كل مؤمن ليس لها ثم لا يمتنع رؤيته ما يعود عليه بخير وينوي، فإن الناس في الرؤيا ثلاث درجات: الأنبياء عليهم السلام، ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى التعجير والصالحون والغالب على رؤيا الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير وما عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث، ويقل فيها الصدق والكفار يندر في رؤياهم الصدق جدًا، ويرشد لذلك خبر مسلم مرفوعًا: "وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا" وجه المناسبة بين هذا الباب والباب السابق عروض الكراهة الاختيارية والاضطرارية في الإِنسان.

محمد قال: بنا مالك، كذا في نسخة.


(١) أخرجه: البخاري (٦٩٨٣) وابن ماجه (٣٨٩٣) وأحمد (١٢٠٩٩) ومالك (١٧٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>