والظاهر أنه في مسجد المدينة، ثم ركب أي: ذهب إلى أرض الجُرُفِ، بضم الجيم والراء المهملة والفاء، قال الرافعي: هي موضع على ثلاثة أميال من جهة الشام، ثم جاء بعد ما ذهب إلى الجرف طلعت الشمس، فرأى في ثوبه احْتِلَامًا، أي: أثره في ثوبه من المني، فقال: لقد احتلمت وما شعرت، بضم العين، أى: ما علمت، أخرج عمر كلامه عن مقتضى ظاهره، حيث أتاه بلام القسم، ولا يقتضيها، ونزل المخاطبين المأمومين منزلة المنكرين مع أنهم مقتدون به في أفعاله وأقواله كأنهم أنكروا الاحتلام عن عمر؛ لأن له زوج، فأخبر عمر (ق ٢٨٢) عن حال نفسه بلام القسم تقوية للحكم وأكد تقويته: ولقد سُلِّط بضم وتشديد لام مكسورة، أي: أقسم الله، غَلَبَ وَكَثرُ علىّ الاحْتِلام منذ وليت بضم الواو وكسر لام مشددة أمر الناس، قيل: يحتمل أن شغله بأمورهم واهتمامه بهم صرفه عن اشتغاله بالنساء فكثر عليه الاحتلام، ثم أي: بعد ما أخبر عن حاله، غسل ما رأى في ثوبه أي: من المني ونضحه أي: مسحه ثم اغتسل، ثم قام فصلى الصبح أي: قضاه بعد ما طلعت الشمس.
قال محمد: وبهذا أي: بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه نأخذ، أي: نعمل ونفتي، ونرى أي: نختار أن من عِلم ذلك أي: ما وقع لعمر من الاحتلام وصلاته بلا غسل، فمن صلى خلف عمر، فعليه أن يُعيد الصلاة، كما أعادها عمر، لأن الإِمام إذا فسدت صلاته فسدت صلاة من خلفه، وهو قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، خلافًا لمالك والشافعي؛ حيث قالا: إن صلاة المأموم صحيحة، إذا لم يعلم من أول الوهلة أنه على غير طهارة، والله أعلم.
لما فرغ من بيان حكم حال الرجل يصلي بالقوم، وهو جنب أو غير وضوء، شرع في بيان حكم حال الرجل يركع دون الصف أو يقرأ في ركوعه، فقال: هذا
* * *
[باب الرجل يركع دون الصف أو يقرأ في ركوعه]
في بيان حكم حال الرجل وهو يركع دون الصف، أي: في قرب الصف، قال بعض أهل اللغة: لفظ دون بضم الدال المهملة وسكون الواو والنون، استعمل بمعنى القرب مشتق من دان يدون دونًا وداين إدانة، كذا قاله محمد الواني، أو يقرأ في ركوعه