الهدهد في مكانه فقال:{مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}[النمل: ٢٠] كذا في سورة النمل والله لأرميّن أي: لأطرحن بها أي: بالخشبة بين أكتافكم بالفوقية جمع كتف، وروي بالنون، وهي جمع كنف بفتحها، وهو الجانب يعني إن لم ترضوا وضع خشبة الجار في جدارهم لأطرحن بين أجنابكم، وهو للمبالغة في إجراء الحكم بهذه السنة، وقد كان أبو هريرة أمير بالمدينة وقاضيًا بها، والمعنى إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلن الخشبة بين رقابكم كارهين.
قال محمد: وهذا عندنا على وجه التوسّع من الناس أي: المساهلة والمسامحة بعضِهم على بعض، أي: في مقام الرفق وحُسن الخُلق، أي: مع عموم الخلق فأما في الحكم أي: القضاء الشرعي الحتم فلا يُجْبرون بصيغة المجهول، أي: فلا يقهر الجيران على ذلك أي: الرضا بذلك.
بلغنا أن شُريحًا اختُصِم إليه في ذلك، بصيغة المجهول أي: تخاصم بعضهم بعض وترافعوا إلى شريح فقال أي: شريح للذي وضع خشبة: على جدار غيره دون إذنه ارفع رجلك عن مطيّة أخيك، بفتح الميم وكسر الطاء المهملة وفتح التحتية المشددة أي: دابة صالحة للركوب وما أحسن هذه العبارة في مقام الاستعارة فهذا أي: القول منه هو الحكم أي: الشرعي في ذلك أي: الأمر والتوسع أفضل أي: لمن يقبل، والله أعلم.
لما فرغ من بيان ما يتعلق بالقضاء، شرع في بيان ما يتعلق بالهبة والصدقة، فقال: هذا
* * *
[باب الهبة والصدقة]
في بيان ما يتعلق بحكم الهبة والصدقة، وهو من قبيل عطف الخاص على العام كعطف الروح على الملائكة في تنزل الملائكة والروح، فالهبة مصدر محذوف الأول معوض عنه هاء التأنيث، وأصله وهب بتسكين الهاء وتحريكها ومعناها لغة: تبرع وتفضل بما ينفِع الموهوب له مطلقًا، أي: سواء كان مالًا أو غيره، قال الله تعالى في سورة مريم:{فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا}[مريم: ٥] وقال تعالى في سورة حم عسق: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}[الشورى: ٤٩] وشرعًا: تمليك عين بلا عوض. كذا قاله في (شرح النقاية) والغرر.