للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما يخافت فيه واجب عليه، ما لم يجهد بفتح الياء والهاء، وبضم الياء وكسر الهاء، أي: لم يتعب الرجل نفسه، والمقصود الاعتدال، وأدنى الجهر إسماع غيره، وهو الصحيح.

فإن قيل: ما الحكمة بجهر الإمام بالقراءة في بعض الأوقات، ويخافت فى بعضها؟

الجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالقراءة في الصلاة كلها في الابتداء، وكان المشركون يؤذونه، ويسبون من أنزله ومن نزل عليه، فأنزل الله في آخر سورة بني إسرائيل: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: ١١٠]، أي: لا تجهر القراءة في صلاتك كلها، ولا تخافت بها كلها، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: ١١٠]، بأن تجهر بصلاة الليل، وتخافت بصلاة النهار، فكان - صلى الله عليه وسلم - يخافت في صلاة الظهر والعصر؛ لأن المشركين مستعدون للإِيذاء في هذين الوقتين ويجهر في صلاة المغرب، لاشتغالهم بالأكل والشرب، وفي صلاة العشاء والفجر لرقادهم، وفي الجمعة والعيدين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقامهما بالمدينة، وما كان للكفار بها قوة، وهذا العذر وإن زال بغلبة المسلمين، فالحكم باق؛ لأن بقاءه يستغني عن بقاء السبب، كما نقلناه في (سلم الفلاح شرح نور الإِيضاح) و (نجاة الأرواح) (١) للشرنبلالي.

لما ذكر ما يجب على المصلي شرع بذكر ما يسن عليه، فقال: هذا

* * *

[باب التأمين في الصلاة]

١٣٥ - أخبرنا مالك، أخبرنا الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أمَّنَ الإمامُ فأمِّنُوا، فإنه من وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفَرِ له ما تقدّمَ من ذنبه".

وقال ابن شهاب: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: آمين.


(١) انظر: إمداد الفتاح (ص: ٩١).
(١٣٥) أخرجه: البخاري (٧٨٠)، ومسلم (٤١٠)، وأبو داود (٩٣٦)، والترمذي (٢٥٠)، والنسائي (٩٢٨)، وابن ماجه (٨٥١)، وأحمد (٧١٤٧)، ومالك (١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>