السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، اللهم إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا أقل من ذلك، فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي ذلك عهدًا عندك تؤديه إليَّ يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد".
ورُوي عن بعض المتقدمين أنه أوصى أن يكتب في جبهته أو صدره: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، فَفُعِل، ثم رُؤي في المنام، وسُئل عن حاله، فقال: لما وُضِعتُ في القبر جاءني ملائكة العذاب، فلما رأوا مكتوبًا في جبهتي أو صدري "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" قالوا: أمنت من العذاب، كذا في (التانارخانية).
لما فرغ من بيان حكم كفن الميت، شرع في بيان حكم الإِسراع بالمشي بحمل الجنازة على أعناق الرجال، فقال: هذا
* * *
[باب المشي بالجنائز والمشي معها]
في بيان حكم المشي بالجنائز والمشي معها، وهو: أي: المشي بفتح الميم وسكون الشين المعجمة والتحتية، مصدر بمعنى الإِسراع بالعدو بلا خبب إذا حملوا الجنازة في أعناقهم، وهو لازم ومتعد يقال: مشيتها تمشية، كذا قاله محمد الواني في (ترجمة الجوهري)، والباء في الجنازة إما للتعدية على الوجه الأول، وإما زائدة على الوجه الثاني، قوله: والمشي معها، عطف على المشي بالجنازة، وإشعار بجواز المشي خلف الجنازة وأمامها، لكن المشي خلفها لينظرها ويعتبر من حالها أفضل كفضل صلاة مع الجماعة على التطوع، إسناد المشي إلى الجنازة مجاز، وهو من قبيل تسبب المركب بالمركب، وهو تشبيه الهيئة الحاصلة في المشبه إلى الهيئة الحاصلة في المشبه به.
اعلم أن المصنف شبه الأمور المنتزعة عن الجنازة إلى الأمور المنتزعة في أمير من أمراء الملك، والمهيب، فإنه إذا دعاه عجالة ألقى ما شغله من يده ويخرج من داره يسعى ويركب فرسه وخدمائه يمشون في ركابه يمينًا وشمالًا، فلما وصل إلى باب دار الملك المهيب نزل عنده ويدخل فيها، ويمشي خاشعًا ويتذلل بأنواع التذلل، وإذا قرب إليه سلم عليه ويدعو