(ق ٥٨) ابن أبي عبيد: أدركتْ النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمعت منه، ولم ترو عنه، وروت عن عائشة رضي الله عنها، وحفصة، وروى عنها نافع، مولى ابن عمر، أنها كانت تتوضأ وتنزع خمارها، أي: تقلعه أو تغيره ثم تمسح برأسها، قال نافع: وأنا يومئذ، أي: حينئذٍ كانت تفعل ذلك، صغير، أي: لكن أحفظه.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: نعمل، ونُفتي، لا يُمْسَحُ بصيغة المجهول، على خمار ولا عِمَامَةٍ.
بلغنا أن المسح على العمامة، وفي معناه: الخمار، كانَ أي: في الإِسلام، فَتُرِكَ، لبعض الأحكام، وهو قولُ أبي حنيفة والعَامَّةِ من فقهائنا.
وكذا جمهور سائر الفقهاء على ما تقدم، والله أعلم.
لما ذكر الأحاديث التي تتعلق بالطهارة الصغرى، شرع بذكر الحديث، الذي يتعلق بأحكام الطهارة الكبرى؛ فقال: هذا
* * *
[باب في بيان أحكام الاغتسال من الجنابة]
الاغتسال من الجنابة، أي: من أجلها وسببها؛ قال الله تعالى في سورة المائدة:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}[المائدة: ٦]، أي: اغتسلوا، والأمر للوجوب، وفيه تسعة شرائط:
الأول: الإِسلام، الثاني: العقل، الثالث: البلوغ، الرابع: وجود الحدث، الخامس: وجود الماء المطلق الطهور الكافي، السادس: القدرة على استعماله، السابع: عدم الحيض، الثامن: عدم النفاس، التاسع: تنجز خطاب المكلف بضيق الوقت، كما في (منح الغفار)، وإضافة الباب إلى الاغتسال بمعنى اللام، كما يؤيده لفظ من في الجنابة، لأنه بمعنى اللام الأصلية والتعليلية، وجعلها بمعنى "من" بعيد؛ لأن ضابطها صحة تقديرها، مع صحة الإِخبار عن الأول، وبالثاني: كخاتم فضة، وهو مفقود هنا، أي: لا يصح أن يقال: الباب اغتسال، والأوجه أن تكون بمعنى في كما قدرناه، وإن كانت قليلة وضابطها: أن يكون الثاني طرفًا للأول، نحو: مكر الليل.