فأيقظوني فقد حرم على الطعام والشراب فلم آكل فأصبحت صائمًا، فأمسيت وقد جهدني الصوم فنزلت هذه {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} وهذان الأمران للإِباحة وليس للحتم مثل قوله تعالى في سورة الجمعة: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[الجمعة: ١٠] فقد أباح الله الأكل والشرب للمؤمنين في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر الثاني بقوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} أي: البياض المعترض في أفق الشرق {مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} أي: ظلمة الليل شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق وما يمسه منه في غاسق الليل بخيطين أبيض وأسود والتقى بيان الخيط الأبيض بقوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} عن بيان الخيط الأسود، لدلالته عليه، وبذلك خرجا (ق ٣٧٩) عن الاستعادة إلى التمثيل، ويجوز أن يكون من للتبعيض فالتقدير كلوا واشربوا إلى إبداء بعض الفجر وروى عن عدي بن حاتم الطائي أنه قال: أخذت خيطين فجعلت انظر إليهما فلم يتبين الأبيض من الأسود ما لم يسفر، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك فتبسم وقال:"إنك لعريض القفا إنما هو سواد الليل وبياض النهار" فنزل قوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} فارتفع الاشتباه بقوله: "عريض القفا" كناية عن كلمتي يعني أي: يرد المصنف بالفجر في نسخة: ومبينة بقوله: حتى يطلع الفجر ثم يظهر وجه الاستدلال على ما قاله بقوله: فإذا كان الرجل أي: الذي يريد الصوم قد رُخِّص له أن يُجَامِعَ، ويبتغي الولد هذا قيد اتفاقي ويأكل ويشرب حتى يطلع الفجر، يعني ربما يتأخر الجماع عن الأكل والشرب؛ لأن الواو لمطلق الجمع فيقع آخر جماعه عن أول طلوع الفجر فمتى يكون الغسل أي: فلا يتحقق ولا يمكن غسله إلا بعد طلوع الفجر، فهذا أي: وقوع الجماع قبل طلوع الفجر ووقوع الغسل بعد طلوعه لا بأس به، أي: لا يضر صومه وهو أي: جواز الغسل بعد الفجر وعدم ضرره بالصوم قول أبي حنيفة، والعامة أي: عامة أكابر الأمة.
لما فرغ من بيان أحكام حال الرجل أصبح جنبًا في رمضان، شرع في بيان أحكام القبلة للصائم، فقال: هذا
* * *
[باب القبلة للصائم]
في بيان أحكام القبلة بضم القاف وسكون الموحدة واللام من التقبيل للصائم أي: سواء كان صائمًا للفرض أو الواجب أو التطوع.