للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القطع موكول إلى إرادته؛ لأن ذلك كان قبل أن يتفقه في الدين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فهلَّا بتشديد اللام، أي: فلم تهبه له قَبْلَ أن تأتيني به"، فمعنى هلا إذا دخلت على الماضي تكون لتوبيخ المخاطب، ولومه على ترك الفعل، ومعناه في المضارع الحض والحث على الفعل والطلب له، فهي في المضارع بمعنى الأمر ولا يكون التخصيص في الماضي الذي قد فات إلا أنها تستعمل كثيرًا في لوم المخاطب على أنه ترك في الماضي شيئًا يمكن تداركه في المستقبل فكأنها من حيث المعنى للتخصيص على فعل مثال ما فات، كما في (شرح الكافية).

والحديث رواه أبو داود (١)، والنسائي (٢)، وابن ماجه (٣)، وأحمد (٤) في (مسنده) من غير وجه عن صفوان بن أمية أنه طاف بالبيت وصلى، ثم لف رداءه فوضعه تحت رأسه فنام فأتاه لص فاستله من تحت رأسه، فأخذه فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن هذا سرق ردائي، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أسرقت رداء هذا؟ "، قال: "اذهبا به فاقطعا يده"، فقال صفوان بن أمية: ما كنتُ أريد أن أقطع يده في ردائي؟ قال: فلو كانت الهبة قبل أن تأتيني.

قال محمد: إذا رُفعَ السارق إلى الإِمام أي: الحاكم أو القاذف، أي: الحد عليهما بإقرار أو بينة، فوهبَ صاحبُ الحد حدّه، أي: صاحب الحق حقه، كما في نسخة: لم ينبغ للإِمام أي: لا يجوز له أن يعطل الحدّ، أي: يبطله، ولكنه أي: الإِمام يمضيه، أي: ينفذه ويقضيه، وهو أي: عدم الجواز للإِمام أن يعطل الحد بعد رفعه إليه، قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.

لما فرغ من بيان حكم حال الرجل يُسرق منه الشيء يجب فيه قطع يد السارق إذا رفع إلى الإِمام، شرع في بيان حكم حال مسروق يجب فيه القطع، فقال: هذا

* * *


(١) أبو داود (٤٣٩٤).
(٢) النسائي كتاب قطع السارق، باب الرجل يتجاوز للسارق عن سرقته.
(٣) ابن ماجه (٢٥٩٥).
(٤) أحمد (٣/ ٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>