للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مولى ابن عمر، ثقة فقيه ثبت مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة بعد المائة من الهجرة، أن عبدًا أي: لم يسمّ لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما سرق وهو آبق، فبعث أي: أرسل به أي: بالعبد السارق عبد الله بن عمر إلى سعيد بن العاص بغير ياء على الصحيح، ابن آمنة القرشي الأموي، له صحبة، وكان سنه يوم موت النبي - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين، وقُتِلَ أبوه يوم بدر كافرًا، وكان سعيد فصيحًا مشهورًا بالكرم، فلما مات في قصره بالعقيق سنة ثلاث وخمسين، كان عليه ثمانون ألف دينار، فوفاها عنه عمرو الأشدق، وهو أي: سعيد بن العاص أمير المدينة من جهة معاوية، وكان عايش على تخلفه في حروبه، فاعتذر، ثم ولاه المدينة، فكان يعاقب بينه وبين مروان في ولايتها، ليقطع يده أي: يد العبد، فأبى سعيدُ أن يقطع يده، وقال: أي: أبو سعيد بن العاص: لا تقطع يدُ الآبق إذا سَرَق، ولعله قاس على عبد سرق من سيده أو عرسه أو سيدته؛ لما روى السائب بن يزيد قال: شهدتُ عمرو قد جاء عبد الله بن عمرو بن الحضرمي بغلام له، فقال: إن غلامي هذا سرق فاقطعه، فقال عمر: ما سرق؟ قال: سرق مِرات لامرأتي قيمتها أو ثمنها ستون درهمًا، فقال عمر: أرسله، لا قطع عليه، وقال مالك وأبو ثور: يقطع في عرسه لعدم استحقاقه النفقة في مالها، بخلاف السيد، وقال داود: يقطع لسرقته، قال سيده أيضًا لعموم الآية، وهي: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨]، فقال له أي: لسعيد، عبد الله بن عمرِ أي: منكرًا عليه في كتاب الله تعالى، وفي نسخة: في أي كتاب الله تعالى وجدت هذا؟ أي: الذي ذكرتُ هو أن العبد الآبق لا تُقطع يده؟ فأمر به أي: بالقطع عبد الله بن عمر فقُطعت يده، أي: يد العبد الآبق السارق لقوة الدليل على ذلك، وهو قوله تعالى في سورة المائدة: (ق ٧٢٥) {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: ٣٨]، قوله: أَيْديَهُمَا، أي: أيديهما، وفي قراءة عبد الله بن عمر: "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم"، رواه الترمذي، ودخلت الفاء في الخبر فاقطعوا لتضمن المبتدأ والخبر معنى الشرط، إذ المعنى: والذي يسرق والتي سرقت فاقطعوا أيديهما، والاسم الموصول متضمن معنى الشرط، وإنما قدم في الآية نظم السارق على السارقة؛ لأن السرقة في الرجال أكثر، وقدمت الزانية في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} [النور: ٢]؛ لأن داعية الزنا في الإِناث أكثر، ولأن الأنثى

<<  <  ج: ص:  >  >>