للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشاروا إلى الحد كما سبق، فأخذنا أي: عملنا بقول من درأ من ترك الحد منهم، أي: من الصحابة؛ لأنه أحوط، قوله: وممن درأ الحد، خبر مقدم، وقال: ليس في التعريض جلد، جملة حالية، وقوله: عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، مبتدأ مؤخر فتقديم المسند على المسند إليه فتخصيصه بالمسند إليه، نحو: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: ٢٥، ٢٦]. قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل (ق ٧٤٦) إلا بقول علي بن أبي طالب، وهو أي: ما قاله علي بن أبي طالب، قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.

وقال مالك وأحمد، وفي رواية: يحد عملًا بقول عمر ومن وافقه، ولنا ما رواه البخاري (١) ومسلم (٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًا قال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، قال: "هل لك من إبل؟ "، قال: نعم، قال: "وما ألوانها؟ " قال: حمر، قال: "فهل منها من أورق؟ "، أي: إبل لونه مائل إلى السواد؟، قال: إن فيها أورق، قال: "فأين أيتها ذلك؟ "، قال: لعله نزعه - أي جره - عرق، قال: "وكذلك هذا الولد نزعه عرق"، وترجم عليه البخاري: باب إذا عرض ينفي الولد، وزاد في لفظ: وإن أنكرته تعرض أن ينفيه، وما روى أبو داود (٣) والنسائي (٤) من حديث ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن امرأتي لا تمنع يد لامس، قال: "عذبها"، أي: طلقها، كما في رواية، قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال: "فاستمتع بها"، وفي رواية: "فأمسكها"، وقوله: لا تمنع يد لامس، كناية عن زناها؛ ولأن الله تعالى فرق بين التعريض بالخطبة في العدة، فأباحه، وبين التصريح فمنعه، حيث قال: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} الآية [البقرة: ٢٣٥]، فليفرق بينهما في القذف أيضًا، ولأنه تعالى أوجب الحد في القذف، تصريح الزنا، فلم يمكن لنا إيجابه بكنايته إلحاقًا لها به دلالة؛ لأن الكناية دون التصريح، لما فيها من الاحتمال، والله أعلم بحقيقة الحال.


(١) البخاري (٦/ ٢٥١١).
(٢) مسلم (٢/ ١١٣٧).
(٣) أبو داود (٢/ ٢٢٠).
(٤) النسائي في الكبرى (٣/ ٢٧٠)، وفي الصغرى (٦/ ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>