من (شرح الكافية)، والمعنى: احذروا أيها المكلفون أنفسكم اتباع الظن وبعد الظن عن أنفسكم، والمراد بالظن سوء الظن وهو أن تظن وتتكلم وإن لم يتكلم، فهو عفوي والظن عبارة عما تركن وتميل إليه النفس ويميل إليه القلب وسوء الظن حرام وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقه في غيرك سواء إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل، فعند ذلك لا تعتقد إلا ما علمته وشاهدته، فما لم تشاهده أو لم تسمعه ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك، فينبغي لك أن تكذبه فإنه أفسق الفساق.
وقال العارف (زروق): إنما ينشأ الظن الخبيث عن القلب الخبيث فإن الظن أقام المظهر مقام المضمر إذ القياس أن يقال: فإنه لزيادة تمكن المسند إليه في ذكر [](١) حثًا على الاجتناب أكذبُ الحديث, أي: حديث النفس أشد ضررًا لتعديته إلى غيره بإلقاء الشيطان في نفس الإِنسان ولا تجَسَّسوا, أي: لا تبحثوا (ق ٩٢٤) ولا تتفصحوا عن معايب الناس ومساويهم.
وفي رواية: بالحاء المهملة، وقد ورد "يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه" ولأحمد والشيخين بروايتهم عنه: "ولا تحسسوا" بالحاء المهملة أي: لا تطلبوا الشيء بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشيء حقيقة ولا تنافسوا، بفاء وسين من المنافسة، وهي الرغبة في النفيس والانفراد به، والمراد به هنا التنافس في الدنيا لطلب الظهور على الناس والتكبر عليهم، وأما التنافس في طريق البر محمود، ومنه قوله تعالى:{فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين: ٢٦] ولا تحاسدوا, أي: لا تطلبوا زوال النعمة عن غيركم ولا تباغضوا, أي: لا يبغض بعضكم بعضًا في الأمور الدنيوية، وإلا فقد ورد مدح الحب في الله والبغض في الله من جهة الأمور الدينية والأحوال الأخروية ولا تدابروا, أي: لا تهاجروا عن الإخوان بانقطاع السلام والكلام والإِحسان، وأصل التدابر المعاداة والمقاطعة؛ إذ كل منهما يولي عن صاحبه دبره محسوسًا بالأبدان ومعقولًا بالعقائد وكونوا عباد الله بحذف النداء إخوانا" أي: اكتسبوا ما تصيرون به إخوانًا مما ذكر وغيره، فإذا تركتم ذلك كنتم إخوانًا وإذا لم تتركوه صرتم أعداء، والحديث رواه أحمد والشيخان. محمد قال: بنا مالك، كما في نسخة.