عن الأعرج، اسمه عبد الرحمن بن هرمز ويكنى أبا داود المزني، مولى ربيعة بن الحارث، ثقة ثبت عالم، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين والمحدثين، مات سنة سبع عشرة ومائة عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المسكين أي: الكامل والمحمود بالطوَّاف بفتح الطاء المهملة وتشديد الواو أي: الشحات الذي يطوف على الناس، أي: يدور على أبوابهم تردّه اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان"، قالوا: فما المسكينُ يا رسول الله؟ وإنما أثروا كلمة "ما" في السؤال عنه على من لإِرادتهم معنى الوصفية؛ لأنهم لما سمعوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفي المسكين الموصوف بالطواف يطوف على الناس ويطلب منهم شيئًا، ووصفه بصيغة المبالغة علموا أن المراد بالمسكين هنا الذي يعرض على الناس حوائجه، بل المسكين هنا هو الذي أسكنته الخلة والفقر أو الذي صبر على الشدة وكف نفسه عن السؤال أن كلمة "ما" بمعنى "من" ويؤيده ما في رواية غيرها فمن المسكين قال: أي: أجاب السائلين بقوله: "الذي ما عنده ما يُغنيه، أي: ليس عنده ما يكفيه وفي نسخة: الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يُفطن له بصيغة المجهول أي: ولا يتفطن لأجله أحد، وفي نسخة: ولا يتفطن له الناس فيُتصدق عليه، فالفاء فيه ناصبة نحو: ما تأتينا فتحدثنا، والصحيح أن النصب بأن مضمرة كما قاله ابن هشام ولا يقوم أي: لإِظهار الحاجة فيسأل الناس" وفيه إيماء إلى قوله تعالى في سورة البقرة: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ (ق ٩٥٢) النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] أي: أصيلًا فالمراد نفي القيد والمقيد معًا.
قال محمد: هذا أي: المسكين الكامل أحقُ بالعطية، وثوابها أكثر هنالك وأيَّهما أعطيتَه زكاتك أي: صدقتك وميراثك أجزأك ذلك، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا أي: في قوله تعالى في سورة المعارج: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: ٢٤، ٢٥] وفي سورة الحج في قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}[الحج: ٣٦] أي: المعترض بالسؤال والقانع بما رزقه الله تعالى، وفي تقديم القانع إيماء إلا أنه أفضل وفي تأخير المحروم رعاية للفاضل.