للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن عليّ رضي الله عنه: إنكاره، ولا يجب هكذا بالجيم في الأصل، فالمعنى لا ينبغي والظاهر أنه تصحيف، ولا نحب أي: لا نستحسن أن يُزاد في النِّدَاء أي: في نفس الأذان والإِقامة، ما لم يكن منه، أي: من النداء، أي من زيادة عدد كلمات الأذان، كترجيع ولحن، والترجيع: بتشديد الجيم وكسرها أن يقول المؤذن الشهادتين بصوت خفي، ثم يقولهما بصوت عال، واللحن: بالفتح فسكون: تغيير الإِعراب.

وفي الصحيحين (١): لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وبنى المسجد، تشاور الصحابة، فيما يجعل علمًا لأوقات الصلاة، ولجمعهم للصلاة، قال أنس بن مالك رضي الله عنه، ذكر جمع منهم إيقاد النار، وجمع ضرب الناقوس، وهي خشبة طويلة، يضرب بأخرى، أقصر منهما، فكره الآخرون منهم، بأن إيقاد من أمر اليهود، والناقوس من أمر النصارى (ق ٩٦)، فيلتبس أوقاتهم فتفرقوا من غير اتفاق على شيء، فاهتم عبد الله بن زيد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنام فرأى في المنام أن رجلًا ينادي بالصلاة قائلًا: الله أكبر الله أكبر. . . إلخ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم -: "هذه الرؤيا حق مع بلال فأذنا فإنه أندى صوتًا منك"، فلما أذنا سمع عمر رضي الله عنه وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: والذي بعثك بالحق نبيًا، لقد رأيتُ مثل ما قال عبد الله بن زيد، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله".

ورأى الأذان في المنام في تلك الليلة أحد عشر رجلًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كذا قاله ابن الملك في (شرح المصابيح)، ولما تم سنة أو سنتان بعد الهجرة فرض الجمعة بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩]، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلال بن رباح بالأذان، فأذن وسمعه اليهود، وقالوا: لقد ابتدعت يا محمد شيئًا لم يكن فيما مضى، فأنزل الله في سورة المائدة بعد نهي المؤمنين أن يتخذوا أهل الكتاب أولياء؛ لأنهم اتخذوا دين الإِسلام هزوًا ولعبًا: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: ٥٨].

قيل: في هاتين الآيتين دليل صريح على ثبوت الأذان، ومشروعيته بنص الكتاب


(١) أخرجه: أبو داود (٤٩٩)، والترمذي (١٨٩)، وابن ماجه (٧٠٦)، والدارمي (١١٨٧)، وابن حبان (٢٨٧)، وابن خزيمة (٣٦٣)، والدارقطني (١/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>