للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال محمد: وبهذا أي: بما ذكر من الحديثين الأوليين نأخُذُ، أي: نعمل ونقول: صلاة الرجل قاعدًا للتطوع وهو شامل للسنن والنوافل مثلُ نصفِ صلاتِه قائمًا؛ أي: في الأجر، فأما ما رُوى في قوله: "إذا صلى الإمام جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين"، فقد رُوِي ذلك أي: بلا شبهة، كما في نسخة، فقد جاء أي: ورد ما قد نَسخَه، أي: حديث قد رفع حكم هذا الحديث، فإن القائم يقتدي بالقاعد الذي يركع ويسجد، وبالعكس في قول أبي حنيفة، وعامة أصحابه وهو مذهب مالك والشافعي.

وقال محمد وأحمد وإسحاق: لا يقتدي القائم بالقاعد، وهو القياس لأن اقتداء القائم بالقاعد اقتداء كامل الحال يناقضها. اعلم أن الحديث الذي عرف تاريخه أنه مؤخر فهو ناسخ وما عرف تاريخه أنه مقدم فهو منسوخ، والنسخ في اللغة الإِزالة، أي: الإِعدام لذات الشيء، أو صفته، وإن كان مزيل الثاني صفة أيضًا، كقولهم: نسخت الظل إذا أزالته ورفعته بواسطة انبساط ضوءها على محل الظل.

وفي الشرع: رفع تعلق (ق ١٥٥) حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عن ذلك الحكم المتقدم، والناسخ: ما دل على الرفع المذكور، وتسميته ناسخًا مجازًا؛ لأن الناسخ في الحقيقة هو الله تعالى.

ويُعرف النسخ بأمور طرحها ما ورد في النص كحديث: بريدة في صحيح مسلم: "كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة" (١)، ومنها ما يجزم الصحابي بأنه متأخر كقول جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ترك الوضوء مما مسته النار (٢)، أخرجه أصحاب السنن، ومنها ما يُعرف بالتاريخ، كذا قاله الشيخ شهاب الدين: أحمد بن حجر العسقلاني، في (نخبة الفكر من اصطلاح أهل الأثر).

وفي (الهداية): ويصلي القائم خلف القاعد خلافًا لمحمد، وعكسه فهذا يدل على أن محمدًا مخالف في المسألة، وعبارة محمد مشيرة إلى أنه موافق، ولعل عنه روايتين،


(١) أخرجه: مسلم (٩٧٧)، وأبو داود (٣٢٣٥)، والترمذي (١٠٥٤)، والنسائي (٢٠٣٢)، وابن ماجه (١٥٧١)، وأحمد (١٢٤٠).
(٢) أخرجه: أبو داود (١٩٢)، والنسائي (١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>