للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلان قد حبس فادع الله أن يفرج عنه، فرفع يديه وبكى وقال: يا إلهي قد تعلم حاجتنا قبل أن نسألها منك، فاقضها لنا، فوالله ما برحنا من البيت حتى دخل الرجل، وقلت: ما تشتهي، قال: والله أشتهي أن أكون رمادًا لا يجمع منه سعة لا في الدنيا ولا في الآخرة، فأبكاني والله، وعلمت أنه أراد النجاة من عسر الحساب، وكان يقول: رب ارحم في الدنيا غربتي، وفي القبر وحدتي، وطول مقامي بين يديك.

قال صالح المري: حزنتُ عليه لما مات حزنًا شديدًا، فرأيته في المنام، فقلت: ألستَ في زمرة الموتى؟ قال: بلى، قلت: فماذا صرت إليه؟ قال: صرت والله إلى خيرٍ كثير، ورب غفور شكور، وقلت: أما والله لقد كنتَ طويل الحزن في الدنيا، فتبسم وقال: أما والله لقد أعقبني ذلك راحة طويلة، وفرح دائم، ثم قلت: ففي أي الدرجات؟ قال: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: ٦٩]، كما قال: أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في (طبقاته) (١).

عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبّر في صلاة من الصَّلوات، ظاهره أنه كبر ودخل في الصلاة، ولا يبعد أن يقدر أراد أن يكبر، ويؤيده أنه لم يستخلف ولا يتصور وقوفهم في الصلاة من غير الإِمام، إلا أن يحمل على أنه مخصوص به - صلى الله عليه وسلم -، ويؤيد الأول، ثم أشار إليهم بيده: أن امكثوا، بفتح الهمزة وكسر النون وسكون الميم، أي: توقفوا في مكانكم، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي: فذهب بسرعة وتوضأ أو اغتسل، ثم رجع وعلى جلده: بشرة أعضائه أثر الماء أي: بلله ولمعانه، فصلى، أي: بنا أو استأنف.

قال محمد: وبهذا أي: ببناء الصلاة، إن عرض للمصلي حدث في صلاته انصرف من غير مكث، ويتوضأ ويبني ما لم يفعل ما يفسد الصلاة، نأخُذُ، أي: نفعل ونفتي، مَنْ سبقه حدث في صلاته، فلا بأس أي: لا كراهة بأن ينصرف من غير توقف، ولا يتكلم، أي: ولا يفعل شيئًا من مفسدات الصلاة إلا ما يحتاج إليه من الضروريات، فيتوضأ، ثمّ يبني على ما صلى، وفيه: أن الحدث لا يدل صريحًا على أنه - صلى الله عليه وسلم - سبقه الحدث، أو يحتمل أنه تذكر حدثًا سابقًا، وأفضل أي: والندب ذلك إذا حدث في الصلاة أن يتكلم ويتوضأ، ويستقبل صلاته، أي: يستأنفها ولا سيما إذا كان في أولها ولا يفوت الجماعة،


(١) انظر: صفة الصفوة (٢/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>