والمراد بالمثل هنا: غرابة حالهم العجيبة الشأن كحال الحمار، حُمِّلوا التوراة، أي: آسفوا عليها، وقوله:{ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا}: أي: لم يعملوا بما فيها، وضع الحمل موضع العمل على طريق المشاكلة، أو لأنهم لم يعملوا بما فيها كأنهم لم يحملوها، قوله:{أَسْفَارًا}: جمع سفر بكسر السين، وهو الكتاب ووجه الشبه أمر عقلي منتزع من عدة أمور لوحظ من جانب القارئ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ومن جانب الرجل التاجر والحمار، وشبه حاله بأحوالهما من عدم الانتفاع، فاطلب تفصيل هذا المقام في شرح أداة التشبيه من (شرح التلخيص)(ق ١٧٣)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: مخاطرةً ودفعًا لما في قلب القارئ: "والذي، أي: أقسم بالله الذي نفسي، أي: روحي بيده، يتصرف بقدرته وإرادته، وإنما قسم تعظيمًا لأمره، وتفخيمًا لقدرته، وإظهارًا للفضل، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}: إنَّها أي: سورة الإِخلاص لَتْعدِلُ أي: لتساوي في المعنى ثُلثَ القرآن في المبنى، لاشتماله على التوحيد والأحكام والوعد والوعيد، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن"، مبالغات في تأكيد نفي القارئ، بقل هو الله أحد بزيادة ثوابها، حيث أثبت - صلى الله عليه وسلم - زيادة ثوابها، وأكدها بواو القسم، والجملة الإِسمية، واللام في جواب القسم.
قال ابن عبد البر: في القرآن آيات كثيرة، أكثر مما فيها من التوحيد، كآية الكرسي، وآخر سورة الحشر، ولم يرد فيها ذلك، وأجاب أبو العباس القرطبي: بأنها اشتملت على اسمين من أسماء الله تعالى متضمنًا جميع أوصاف الكمال، لم يوجد في غيرها من السور، وهما الأحد والصمد؛ لأنهما يدلان على أحادية الذات المقدسة، الموصوفة بجميع أوصاف الكمال؛ لأن الأحد يشعر بوجوب الذي لا يشارك فيه غيره، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال الذي انتهى سؤدده، فكان يرجع مرجع الطلب معه وإليه، ولا يتم ذلك على وجه التحقيق، إلا لمن جاز فضائل الكمال، وذلك لا يصلح إلا الله تعالى، كما قاله الزرقاني (١).