للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاده في وجه الأرض، ويفسدون فيها، واذا غربت يجتمعون عند آبائهم، فيسألهم أبوهم: ما فعلتم اليوم بابن آدم، فيقول بعضهم: ألقيت فيهم السرقة، فيقول له إبليس: هذا ليس بشيء، ويقول بعضهم: ألقيت فيهم المقاتلة، فيقول: هذا، ويقول بعض أولاده: ألقيتُ فيهم الزنا، فيقول: لا بأس به، ويقول بعضهم: ألقيت كذبًا، فيقول له إبليس: هذا عمل عندي ليس فوقه عمل، فيقربه إلى نفسه، فَيُقَبِّلُه بين عينيه، ويمسح رأسه، ويقول: أنا راضٍ عنك، وكان أي: عمر يضرب الناس أي: يدفعهم بتأديبه على أي: لأجل تلك الصلاة.

وفي رواية "عن" موضع "على"، وهي للتعليل كاللام، كما قال - تعالى - في سورة البقرة: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: ١٨٥]، أي: لهدايته إياكم، وكان الظاهر أن يقال: عن أو على كل تقدير، فيدل على أن النهي للتحريم، ولا يبعد أن يكون المراد من تلك الصلاة المنهية قبل (ق ١٨٦) الغروب، ويقويه قول أنس بن مالك حين سأل عن التطوع بعد العصر: كان عمر يضرب الأيدي عن صلاة بعد العصر؛ لحديث رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، لتضارب الناس مع عمر.

قال محمد: وبهذا كله نأخذ، أي: نعمل بعموم ما ذكر من الأحاديث وإطلاقها، ويوم الجمعة وغيرها وكذا مكة وغيرها، عندنا أي: معشر الحنفية في ذلك أي: في النهي عن الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة؛ إلا عصر يومه سواء، أي: مستوٍ، وهو قولُ أبي حنيفة، رحمه الله تعالى، أي: خلافًا للشافعي، حيث استثنى يوم الجمعة في وقت الاستواء، لما رواه الشافعي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة، وبه قال أبو يوسف، واستثنى الشافعي أيضًا حرم مكة في مطلق الأوقات، لحديث جبير بن مطعم مرفوعًا: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار" (١).

الجواب عنها مقرر في محله لا نطول هذا بذكره، كما قاله علي القاري.


(١) أخرجه: أبو داود (١٨٩٤)، والترمذي (٨٦٨)، والنسائي (٥٨٥)، وأحمد (١٦٣٣٣)، والدارمي (١٩٢٦)، وقال الترمذي: حديث جبير حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>