للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد قال: ثنا، وفي نسخة: محمد: أخبرنا، أخبرنا نافع، المدني، مولى عبد الله بن عمر، تابعي، وفي نسخة: "عن" موضع "أخبرنا"، عن ابن عمر, رضي الله عنهما، أنه نادى أي: دعا الناس بالصلاة الباء بمعنى الإِلصاق، وهو الإِيصال، وهو حقيقي، نحو أمسكتُ بزيد إذا قبضت على شيء من جسمه من يد أو ثوب ونحوهما، ومجازي نحو: مررت بزيد، أي: ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد، وهو المراد هنا.

فالمعنى: دعا ابن عمر الناس بمكان تصلى فيه الصلاة، كما قاله ابن هشام في (مغني اللبيب)، في سفر في ليلة ذات بردٍ وريح، وكان ابن عمر مسافرًا، فأذن بمحل يقال له: ضجنان، بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم، ونونين بينهما ألف بزنة فعلان غير منصرف. قال في (الفائق): جبل بينه وبين مكة خمس وعشرون ميلًا.

وقال البخاري من طريق عبيد الله بن عمر، قال: حدثني نافع، قال: أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان. كذا قاله الزرقاني، ثم قال: بفتح المثلثة والميم المشددة، اسم إشارة إلى المكان البعيد، كقوله تعالى في سورة الإِنسان: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: ٢٠]، وثم ظرف لا ينصرف، كذا قاله ابن هشام، والتعبير بثم إشعار، بأن عبد الله بن عمر قال عقب النداء بلا مهلة، ويؤيده الفاء في (الموطأ) لمالك، حيث قال: ألَا أخره صلُّوا في الرِّحال، بفتح الهمزة، وتخفيف اللام، حرف العرض والتحضيض، ومعناهما طلب الشيء، ولكن العرض طلب بلين، والتحضيض طلب بحث، وتختص إلا هذه بالفعلية، كما قال في سورة النور: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: ٢٢]، والرحال بكسر الراء والحاء المهملة، والألف واللام، جمع الرحل، وهو المسكن والمنزل، فالمعنى: صلوا في منازلكم، تأخر عن المجيء كيلا يصبكم المشقة، وهذا الأمر استحبابي لا حكمي، ثم قال: أي: ابن عمر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر، أي: ماء سحاب أو مشقة، يقول: "ألا صلّوا في الرحال"، يعني: يأمر - صلى الله عليه وسلم - المؤذن بأن يقول للناس: صلوا في منازلكم (ق ١٩٥).

قال محمد: وهذا أي: ما رواه ابن عمر حسن، وهي أي: الصلاة في الرحال عند المشقة رُخْصَة، والصلاة في الجماعة أفضل، وكلمة "في" للمصاحبة، نحو: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: ٣٨]، أي: معهم.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>