الطريق أربع غموم وهموم: غم لضلاله عن الطريق، وغم لقرب زوجته وضع حملها، وغم لأخيه هارون عليه السلام، وغم من عدوه فرعون، وأن الله تعالى ناداه بقوله:{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ...} الآية [طه: ٨٠] , وأنجاه من غمومه، فصلى موسى - صلوات الله على نبينا وعلينا - أربع ركعات في وقت العشاء شكرًا لخلاصه من غمومه، وهي كانت نافلة له، فرضًا علينا كما في (الفرائد شرح الملتقى).
وقيل: أول من صلى الوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاها ليلة المعراج عند وصوله إلى عرش الرحمن كان أوصاه صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين بشر الله رسوله بالمعراج في قوله:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}[الانشقاق: ١٩]، أي: لتصعدن يا محمد طبقًا من أطباق السماء بعد طبق ليلة المعراج، وهذا المعنى على قراءة بفتح الباء الموحدة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إذا عرجت إلى السماء، صل لي ركعة فعرج فصلى لنفسه ركعة، وللصديق ركعة، وأمره الله أن يصلي له ركعة، فقام فلما قرأ فاتحة الكتاب وسورة معها وأراد أن يركع فاطلع إلى النار وإلى أهلها فغُشي عليه، على بناء المفعول، فنشر جبريل ماء الكوثر عليه، فلما أفاق كبَّر وقنت واستعاذ بالله من النار ومن أهلها، فما صلى لنفسه صارت سُنَّة وما صلاها لصاحبه صارت فضيلة الفرض والواجب والسنة كما قاله جلال الدين السيوطي في (الأوليات).
قولنا: فغشى عليه، أي: صار مغمى عليه، والإِغماء: نوع مرض يضعف القوى ولا يزيل العقل، ولهذا جاز الإِغماء على الأنبياء عليهم السلام، دون الجنون، كما قاله صاحب (الفرائد) في (شرح الملتقى)، لما بين أوقات الصلوات الخمس على الانفراد بين وقت صلاة العصر مرة أخرى اهتمامًا لشأنها، أو بيان أنها في وقت الاشتغال، وأنها تجوز في هذا الوقت.