للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتتركوها مع المقدرة عليها، وليس المراد العجز الكلي؛ لأنه يسقط التكليف من أصله، وقد استشكلت هذه الخشية مع قوله سبحانه: "هن خمس وهن خمسون، لا يبدل القول لديّ"، فإذا أمن من التبديل كيف يخاف من الزيادة؟

وأجاب الخطابي بأن صلاة الليل كانت واجبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله الشرعية تجب على الأمة اقتداءً به فيها عند المواظبة، فترك الخروج إليهم لئلا يدخل ذلك في الواجب بطريق الأمر بالاقتداء به، لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الجنس، وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر فيجب عليه ولا يلزم زيادة فرض في أصل الشيء، وباحتمال أن الله تعالى لما فرض من الصلاة خمسين ثم حط معظمها بشفاعة نبيه، فإذا عادت الأمة فيما استوعب لها والتزمت ما استعفى لهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وتبعه جماعة من الشراح، وهو مبني على وجوب قيام الليل والاقتداء بأفعاله في كل شيء، وفي كل من الأمرين نزاع.

وجواب الكرماني بأن حديث الإِسراء يدل على أن المراد الأمن من نقض شيء ولم يتعد للزيادة فيه نظر؛ لأن ذكر المضعف بقوله: هن خمس إشارة إلى عدم الزيادة أيضًا؛ لأن التضعيف لا ينقص عن العشر، ودفع بعضهم في أصل السؤال بأن الزمان قابل للنسخ فلا مانع من خشية الافتراض، وفيه نظر؛ لأن قوله: لا يبدل القول لديَّ خبر، ولا يدخله النسخ على الراجح، وليس كقوله: مثل صوموا الدهر أبدًا؛ فإنه يجوز النسخ فيه.

وقال سعيد بن زيد الباجي: قال القاضي أبو بكر: يحتمل أن يكون أوحى الله إليه أنه إن واصل الصلاة (ق ٢٣٩) معهم فرضها عليهم، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - ظن أن ذلك سيفرض عليهم لما جرت عادته بأن ما دام عليه على وجه الاجتماع من القرب فرض على أمته، ويحتمل أن يريد بذلك أنه خاف أن يظن أن واحدًا من أمته بعده إذا داوم عليها.

قال القرطبي: قوله: أن تفرض عليكم، أي: تظنونه فرضًا، فتجب على من ظن ذلك، كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو حرمته فيجب عليه العمل به، وقيل: كان حكمه - صلى الله عليه وسلم - إذا واظب على شيء من الأعمال، واقتدى الناس به فيه، أنه يُفْرَض عليهم. انتهى.

وذلك أي: عدم خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يصلي صلاة التراويح بالناس، خشية أن يفرض على أمته قيام ليالي رمضان، ثبت في رمضان.

<<  <  ج: ص:  >  >>