(المحيط) من أنكر أصل الوتر وأصل الأضحية كفر، ولا يكفر إن أنكر وصفهما يعني من قال: لم يوجد الوتر في شريعتنا وقال: ليست الأضحية شيئًا في شريعتنا كفر، أما لو أنكر وجوبية الوتر لا يكفر؛ لأنه من الاجتهاد، قال بعض الفقهاء: إن صلاة الوتر واجبة، وقال بعضهم: هي سنة، وقال بعضهم: هي فريضة، وكذا لو قال: إن الأضحية في عيد الأضحى ليست واجبة لا يكفر؛ لأنها واجبة على الأغنياء عند أبي حنيفة، (ق ٢٥٣) وسنة عند الشافعي، فصلاة الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة؛ لان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث ركعات لا يسلم إلا في آخرهن، صححه الحاكم، وقال: على شرط الشيخين، ويقول في كل ركعة من الوتر وجوبًا بعد الفاتحة سورة، لما رُوي أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الركعة الأولى منها بعد الفاتحة:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وفي الثانية منه بعد الفاتحة:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثالثة منه بعد الفاتحة بـ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وقنت قبل الركوع في جميع السنة بعد رفع يديه حذاء أذنيه مع التكبير.
وبيان أن الله تعالى لما بشَّر محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالمعراج في قوله: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: ١٩، ٢٠]، قرأ ابن كثير والكسائي بفتح الباء في {لَتَرْكَبُنَّ} يعني لتصعدن يا محمد طبقًا من أطباق السماء بعد طبق ليلة المعراج، فأي حال لكفار مكة لا يصدقون بيوم القيامة؛ فإن القادر على تغيير الأجرام العلوية والسفلية من حال إلى حال أخرى لا بد بأن يكون قادرًا على أن يصعد عبده إلى حيث شاء، فقرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أصحابه، فأوصاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، بأن قال: يا رسول الله إن وصلت إلى السماء صل ركعة، فلما وصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى العرش، صلى ركعة لنفسه، وللصديق ركعة، وقعد فتشهد فأمره الله تعالى أن يصلي له ركعة، فقام وقرأ الفاتحة وسورة معها وأراد أن يركع، فاطلع إلى النار وإلى أهلها فغشي عليه، على صيغة المفعول، فنثر جبريل عليه السلام الكوثر عليه، فلما أفاق كبر مع رفع يديه إلى حذاء أذنيه، وقنت واستعاذ بالله من النار، فما صلى لنفسه صار سنة، وما صلى لصاحبه الصديق واجبًا، وما صلى لأمر الله تعالى صار فرضًا؛ فالوتر بهذا المعنى له فضيلة الفرض والواجب والسنة، كذا قاله ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن الشافعي البيضاوي الشيرازي في تفسيره.