للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرآن، بالتنكير لإِرادة البعضية، فالمراد به قوله تعالى في سورة البقرة: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية [البقرة: ١٤٤]، وفيه إطلاق الليلة على بعض اليوم الماضي وما يليه مجازًا، وقال سعيد بن زيد الباجي المالكي: أضاف النزول إلى الليلة على ما بلغه، ولعله لم يعلم بنزوله قبل ذلك، أو لعله - صلى الله عليه وسلم - أمر باستقبال الكعبة بالوحي، ثم أنزل عليه القرآن بالليلة، وقد أمِرَ بضم الهمزة مبني للمجهول، أن يستقبل أي: بأن يستقبل بكسر الباء القبلة، أي: الكعبة، كما في (الموطأ) لمالك، فاسْتَقْبَلُوها، بفتح الباء الموحدة، أي: توجهوا نحو الكعبة، وبكسرها على أمر لأهل قباء، كذا لعبد الله بن يحيى، وكانت وجوههم إلى الشام، أي: نحو بيت المقدس، فاستداروا أي: أهل قباء إلى جانب الكعبة.

وروى (ق ٢٨١) البخاري (١) عن البراء بن عازب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أول صلاة صلاها صلاة العصر بعد التحويل، فصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد قباء، وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَلَ البيت، كذا قاله الزرقاني وعلي القاري.

قال محمد: وبهذا أي: بمدلول الحديث، نأخذ أي: نعمل ونُفتي فيمن أي: في حق المصلي أخطأ القبلة؛ أي: بعد تحريمها حتى صلى ركعة أو ركعتين، وكذا إذا صلى ثلاثًا، والصلاة رباعية، ثم أي: بعد ما صلى ركعة أو ركعتين علم أنه أي: المصلي على التحري يصلي إلى غير القبلة، فلينحرف إلى القبلة فيصلي ما بقى، أي: من عدد ركعات صلواته، ويَعْتَدّ بما مضى، أي: ولا يحتاج إلى استئناف الصلاة حتى يجوز أن يقع أربع ركعات في أربع جهات، وهو أي: انحراف المصلي إلى القبلة بعد علمه الخطأ في القبلة، قولُ أبي حنيفة، رحمه الله؛ لأن تبدل الاجتهاد بمنزلة النسخ.

لما فرغ من بيان حكم أمر القبلة ونسخ قبلة بيت المقدس، شرع في بيان حال الرجل يصلي بالقوم وهو جنب، أو على غير وضوء، فقال: هذا

* * *


(١) أخرجه البخاري (٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>