للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كررت كان المراد حصولها مكررة لا التوكيد اللفظي فإنه قليل الفائدة لا يحسن حيث يكون للكلام محمل غيره، مثال ذلك: جاء القوم اثنين اثنين، أو رجلًا رجلًا وضربته ضربًا ضربًا؛ أي: اثنين بعد اثنين، أي: غسلهما مرتين بعد مرتين، أي: كل واحدة منهما بالغسل مرتين، ثم مسح أي: مبتدأً من مقَدَّم رأسه أي: بيديه المبلولتين بماء جديد، حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم رَدَّهما، كذا في نسخة، وفي نسخة أخرى: مدهما بفتح الميم والدال المشددة المفتوحة، أي: على طرفي رأسه. إلى المكان الذي منه بدأ، بالهمزة، أي: ابتدأ ليحصل الاستيعاب فإنه سنة مؤكدة عند الجمهور، وواجب عند الإِمام مالك، ثم غسل رجليه، أي: إلى كعبيه، إما ثلاثًا أو مرتين.

قال محمد: هذا أي: ما ذكر من الغسيل مرتين: حَسَنٌ؛ أي: جائز مستحسن، والوضُوء ثلاثًا، ثلاثًا، أي: في المغسولات أفضلُ، أي: اتفاقًا، والاثنان يُجْزيان، والواحدة والمرة الواحدة في غسل الأعضاء إذا أسبْغَتْ بصيغة الخطاب أو بالتأنيث مجهولًا، أي: إذا استوعب الأجزاء (ق ٢٠) تجزئ بضم تاء التأنيث، وهمزة في آخره، أي: تكفي أيضًا، أي: كما يكفي مرتين، وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله، ولا أظن له مخالفًا فيه.

ما الحكمة في تخصيص الأعضاء الأربعة بالوضوء؟ الجواب: قبل العلة الأولوية، والحكم الربانية أن آدم، صلوات الله على نبينا وعليه، لما توجه إلى الشجرة بالوجه، وتناولها باليد، ومشى إليها بالرجل، ووضع يده على رأسه فأمر بغسل هذه الأعضاء الأربعة وأغلب الأعمال بها فأمره بغسلها تكفيرًا لخطاياه، وقد جاء في الحديث: أن العبد إذا غسل وجهه خرجت خطاياه حتى تخرج من أشفار عينيه، وكذلك في بقية الأعضاء، وقيل: اختص لغسل هذه الأعضاء الأمة المحمدية ليكونوا غرّا محجلين بين الأمم كما ورد في الحديث.

قال النيسابوري: إن آدم صلوات الله على نبينا وعليه لما أكل من الشجرة وبلغت قوته في الأعضاء الأربعة فأمر بغسلها، ويقال: لأن هذه الأعضاء ظواهر، فقال تعالى: نقِّ أنت ظواهرك حتى أنقي أنا باطنك، طهر وجهك الظاهر بالماء، وإخلاص العمل، أطهر وجهك الباطن بالفيض المقدسي، وقيل: هذه الأعضاء الأربعة عروس الأعضاء فأمرنا بغسلها للتزين بالأنوار الحاصلة من آثار الوضوء فنميز يوم القيامة

<<  <  ج: ص:  >  >>