قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خاتم الذهب، وعن لبس القسي، وعدل عليّ رضي الله عنه عن مقتضى الظاهر، ونزل نفسه منزلة الغائب، لئلا يتوهم أن هذا الحكم مخصوص لعلي، بل هو عام للمؤمنين، كما يؤيده ما رواه يحيى الليثي في الموطأ عن مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس القسي والمعصفر، وعن تختم الذهب، وعن قراءة القرآن من الركوع. ومعلوم أن حذف المفعول يقتضي التعميم كقوله في سورة يونس:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}[يونس: ٢٥] , أي: يدعو جميع عباده إلى دار السلام، كذا قاله سعد الدين التفتازاني في متعلقات الفعل من شرح (التلخيص).
وعن لُبْس المُعَصْفَر بضم الميم وفتح العين وسكون الصاد المهملة، وفتح الفاء قبل الراء، وهو الثوب المصبوغ بالعصفر، والنهي للتنزيه على المشهور.
وعن تَخَتُّم الذَّهب، أي: نهى - صلى الله عليه وسلم - عن لبس خاتم الذهب، والنهي تحريمي؛ لأن لبسه يوجب نقصانه عن قدر النصاب للزكاة، فيعذر بالفقراء فهو حرام، أو يوجب قلة آلة الجهاد، فهي تقتضي ضعف أهل الإِسلام، وقوة أهل الحرب، فهذا لا يجوز لأهل الإِسلام، وهاتان العلتان تجريان في حرمة استعمال الفضة، وهذا الحكم مع هاتين العلتين شامل على النساء، كما روى أبو داود والنسائي بالواسطة عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، أنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدت (ق ٢٨٦) في عنقها مثلها من النار يوم القيامة، وأيما امرأة جعلت في أذنها خرصًا - أي: حلقة - الذهب جعل الله في أذنها مثله من النار يوم القيامة"(١)، قال الخطابي: هذا الوعيد في حق امرأة تقصد أن لا تؤدي الزكاة للذهب دون امرأة لا تقصد عدم أدائها.
وقال الأشرف: لو كان هذا الوعيد للامتناع عن أداء الزكاة لما خصّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الذهب بالذكر، ورخص في الفضة، حيث قال:"ولكن عليكم بالفضة، فالعبوا بها"، فلا فرق في وجوب الزكاة بين الذهب والفضة، وهذا إنما يستقيم على مقتضى مذهبنا من وجوب الزكاة في الحلي دون مذهبهم، حيث قالوا: لا زكاة في الحلي، وأما ما قيل من أنه محمول على كراهة التنزيه كذا قاله علي القاري في باب التختم من (شرح مشكاة المصابيح).
(١) أخرجه: أبو داود (٤٢٣٨)، والنسائي (٥١٣٩)، وأحمد (٢٧٠٥٧).