قال سعيد بن عبد العزيز: كان عالم الشام بعد أبي الدرداء، وقال مكحول: ما رأيتُ أعلم منه، مات سنة ثمانين، كما قاله الزرقاني، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"مَنْ توضأ" أي: إذا أراد أن يتوضأ وضوءًا كاملًا فليستنثر، أي: فليبالغ في استنشاقه بأن يخرج ما في أنفه، وفيه طرد الشيطان، لما رواه البخاري ومسلم:"إذا استيقظ أحدكم فتوضأ فليستنثر ثلاثًا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه"، أي: على أنفه، ونومه عليه حقيقة أو استعارة؛ لأن ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذارة توافق الشيطان، فهذا على عادة العرب في نسبة المستخبث والمستبشع إلى الشيطان، أو ذلك عبارة عن تكسيله عن القيام إلى الصلاة، ولا مانع من حمله على الحقيقة، وهل مبيته لعموم النائمين، ومخصوص بمن لم يفعل ما يحترس به في منامه كقراءة الكرسي؛ الأقرب الثاني.
قال الحافظ: وظاهر الأمر فيه الوجوب، فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به، كأحمد وإسحاق وغيرهما أن يقول به في الاستنثار، وهو ظاهر كلام الحنابلة، وأن مشروعية الاستنشاق إنما تحصل بالاستنثار. وصرح ابن بطال بأن بعض العلماء قال بوجوب الاستنثار، وفيه تعقب على من نقل الإجماع على عدم وجوبه، واستدل الجمهور على أن الأمر فيه للندب بقوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي:"توضأ كما أمرك الله"(١)، حسنه الترمذي، وصححه الحاكم، فأحاله على الآية وليس فيها استنشاق، والاستنثار، ويعقب (ق ٢٢) باحتمال أن يراد بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء، فقد أمر الله باتباع نبيه، ولم يحك أحدٌ من وصف وضوءه على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق، بل ولا المضمضة، وهذا يرد على من لم يوجب المضمضة أيضًا.
وقد ثبت الأمر بها في سنن أبي داود بإسناد صحيح، وذكر ابن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به لا لكونه لا يعلم خلافًا في أن تاركه لا يعيد، وهذا دليل فقهي فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة والتابعين إلا عطاء، وثبت عنه أنه رجع عن الإِعادة.
ومن استجمر أي: إذا مسح مقعده بعد قضاء الحاجة بالأحجار، فليوتر: فليمسحه