للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن مُعَوِّذ بن الحَكَم، بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الواو المشددة، والذال المعجمة، وفتح الحاء المهملة والكاف المفتوحة والميم، أي: ابن الربيع بن عامر الأنصاري الزرقي المدني، له رؤية عن بعض الصحابة، ففي الإِسناد أربعة من التابعين في نسق من حيث الرواية، وفي نسخة بفتح الميم وسكون السين المهملة وضم العين المهملة وسكون الواو والدال، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كان يقوم في الجنازة، كلمة "في" هنا للتعليل، كما كانت له في الحديث "أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها"، يعني: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأجل جنازة مرت بنا، وقمنا معه فقلنا: إنها جنازة يهودي، قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا"، زاد مسلم: "إن الموت فزع"، وفي الصحيحين عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد: فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أليست نفسًا؟ "، وللحاكم عن أنس وأحمد عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا: "إنما قمنا إعظامًا للذي يقبض النفوس" (١)، ولفظ ابن حبان: "الله الذي يقبض الأرواح" (٢)، ولا منافاة بين هذه التعاليل؛ لأن القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر الله تعالى وللقائمين بأمره في ذلك وهم الملائكة، والمقصود من الحديث أن لا يستمر الإِنسان على الغفلة بعد رؤية الميت؛ لإِشعاره بالتساهل بأمر الموت، ولذا يستوي كون الميت مسلمًا، أو كافرًا، وأما ما أخرجه أحمد عن الحسن بن علي: إنما قام - صلى الله عليه وسلم - تأذيًا بريح اليهود (٣)، زاد الطبراني من حديث عبد الله بن عباس بفتح العين المهملة، وبالتحتية والألف والشين المعجمة، فإذا ريح تخورها، وللبيهقي والطبراني من وجه آخر عن الحسن كراهية أن يعلوا على رأسه، فلا يعارض الأخبار الأولى؛ لأن أسانيد هذه لا تقاوم تلك في الصحة، ولأن هذا التعليل فهمه الراوي والتعليل الماضي لفظه - صلى الله عليه وسلم - فكأنه لم يسمع تصريحًا بالتعليل فعلل باجتهاده. ثم جَلَسَ بَعْدُ، أي: استمر جلوسه بعد ذلك يعني: كان يقوم في وقت، ثم تركه أصلًا، وعلى هذا يكون فعله الأخير قرينة في أن الأمر بالقيام للندب، أو نسخ للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر، والأول أرجح؛ لأن احتمال المجاز أولى من دعوى النسخ، قال الحافظ:


(١) أخرجه: أحمد (٦٥٣٧)، والحاكم (١٣٢٠)، والبيهقي (٦٩٨٢).
(٢) أخرجه: ابن حبان (٣٠٥٣).
(٣) أخرجه: أحمد (١٧٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>