للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصله الله تعالى، وقال: يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأته فقالت: نحن والله مساكين فأعطنا، ولم يبق إلا ديناران فرمى بهما إليها، فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره، فقال: إنهم إخوة بعضٌ من بعض.

ومن مرضه وفاته لما وقع الطاعون بالشام، واستقر فيها قال الناس: ما هذا إلا الطوفان، أي: عذاب، إلا أنه ليس بها، فبلغ ذلك معاذًا فقام خطيبًا، وقال: إنما هو رحمة ربكم ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، والمراد بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اجعل هلاك أمتي بالطعن والطاعون"، ولكن خافوا ما هو أشد من ذلك أن يغدو الرجل منكم من منزله لا يدري أمؤمن هو أم منافق، وخافوا إمارة الصبيان، وأن معاذًا يسأل الله أن لآل معاذ حظهم، فطعن ابنه عبد الرحمن ثم مات، فدعا ربه لنفسه، فطعن في راحة فجعل ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه، ثم يقول: ما أحب أن لي بما فيك شيئًا من الدنيا، قال أيضًا: إنها شهادة يختص بها الله ما يشاء، أيها الناس: أربع خصال من استطاع أن لا يدركه شيء منها فلا يدركه، قالوا: وما هو؟ قال: يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويصبح أمر رجل على دين، ويمشي على آخر ويقول الرجل: والله ما أدري على ما أنا لا يعيش على بصيرة، ولا يموت ولا يعطي الرجل من المال مال الله على أن يتكلم بكلام الزور الذي يسخط الله، اللهم آت آل معاذ الأوفر من هذه الرحمة، فطعن ابناه، (ق ٣٥٩) فقال: كيف تجداكما؟ قالا: يا أبانا، الحق من ربك، فلا تكونن من المميزين، قال: وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين، ثم طعنت امرأتاه فهلكتا، وطعن هو في إبهامه وجعل يمسها بفمه ويقول: اللهم إنها صغيرة فبارك فيها، فإنك تبارك في الصغير، واشتد به نزع الموت، فنزع نزعًا لم ينزعه أحد، وكان كلما أفاق فتح طرفه وقال: رب اخنقني خنقك، فوعزتك إنك لتعلم أن قلبي يحبك، ولما حضر الموت قال: انظروا، أصبحنا، فأنى نقيل؟ فقيل: لم يصبح حتى أتى، فقيل: أصبحت، فقال: أعوذ بالله ليلة صباحها النار، مرحبًا بالموت مرحبًا زائر جاء على فاقة، اللهم إني كنت أضافك، وأنا اليوم أرجوك، إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ولمكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر. انتهى.

وهو مات بالشام سنة ثمان عشرة من الهجرة، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، ومروياته مائة وخمسون، كذا قاله علي القاري، في أول الشرح للحديث الأربعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>