للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فطره إلى غاية يقال: لا يصوم وذلك لما رأى في المصلحة المتفقة والحكمة هنالك وما رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا رمضان؛ لئلا يظن وجوبه وكلمة "قط" على ثلاث أوجه:

أحدها: أن تكون ظرف زمان كاستغراق ما مضى، وهذه بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة في أفصح اللغات، وتختص النفي يقال: ما فعلته قط، والعامة تقول: لا أفعل قط، وهو لحن، واشتقاقها من قططتها فمعناها: ما فعلته فيما انقطع من عمري؛ لأن الماضي منقطع عن الحال والاستقبال وبنيت لتضمنها معنى مذ وإلى أن المعنى مُذ أن خُلِقْت أي الآن وعلى حركة؛ لئلا يلتقي الساكنان، وكانت الضمة تنبيهًا بالغايات، وقد يكسر على أصل التقاء الساكنين، وقد تتبع قافه طاؤه في الضم، وقد يخفف طاؤه مع ضمها أو إسكانها.

والثاني: أن تكون بمعنى حسب، وهذه مفتوحة القاف ساكنة الطاء يقال: قطني وقطاء وقط زيد درهم كما يقال وحسب معربة.

والثالث: أن تكون اسم فعل بمعنى يكفي فيقال: قطني بنون الوقاية كما يقال: يكفيني وتكون نون الوقاية علي الوجه الثاني حفظًا للبناء وكذا قاله ابن هشام (١). وما رأيته في شهر أكثر بالنصب ثاني مفعول رأيت أي: ما علمته صيامًا بالنصب وروي بالخفض، قال السهيلي: وهو وهم كأنه كتب بلا ألف علي لغة من يقف على المنصوب بالنون بدون الألف فتوهم محفوظًا، أو ظن بعض الرواة أنه مضاف؛ لأن صيغة أفعل تضاف كثيرًا، فتوهمها مضافة وهي ممتنعة هنا قطعًا منه في شعبان متعلق بصيام الرفع أعمال العباد فيه، ففي النسائي عن أسامة (ق ٣٩٩) قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". (٢) فبين وجه صيامه دون غيره برفع الأعمال فيه وأنه يغفل عنه؛ لأنه لما اكتنفه


(١) انظر: مغني اللبيب (ص: ٢٣٢).
(٢) أخرجه: النسائي في المجتبى (٢٣٥٦)، (٢٣٥٧)، وأحمد (٢١٢٤٦)، والنسائي في الكبرى (٢٦٦٦)، والبيهقي في الشعب (٣٨٢٠)، وأبو نعيم في الحلية (٩/ ١٨)، والبغوي في مسند أسامة (٤٩)، وابن عدي في الكامل (٢/ ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>