الهمام: قول معاوية لم يكتب الله إلى آخره لا ينافي في كونه واجبًا؛ لأن معاوية من مسلمة الفتح، وهو كان في سنة ثمان فإن كان سمع هذا بعد إسلامه، فإنما يكون سمعه سنة تسعة أو عشرة فيكون ذلك بعد نسخه بإيجاب رمضان الذي كان في السنة الثانية من الهجرة جمعًا بين الأدلة الصريحة في وجوبه، وإن سمعه قبله فيجوز كونه قبل افتراضه وأنا صائم، فمن شاءَ فليصم، ومن شاء فليُفطر" هذا الحديث مرفوعًا ففي النسائي: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في هذا اليوم: "إني صائم فمن شاء منكم أن يصوم فليصم ومن شاء فليفطر".
قال محمد: صيام يوم عاشوراءَ كان واجبًا أي: لازمًا علينا، وهو لما لزم علينا بدليل فيه شبهة كخبر الواحد والعام غير المخصوص والآية المأولة تصدق الفطر والأضحية قبل أن يفترض رمضان، والفرض في اللغة التقدير، وفي الشرع ما ثبت بدليل قطعي كالكتاب والسنة (ق ٤٠١) والإِجماع، وهو على نوعين:
فرض كفاية ففرض العين ما يلزم كل واحد إقامته ولا يسقط عن البعض بإقامة البعض كالإِيمان ونحوه، وفرض الكفاية ما لا يلزم جميع المسلمين إقامته ويسقط بإقامته البعض عن الباقين كالجهاد وصلاة الجنازة كذا بينه السيد الجرجاني ثم أي: بعد العلم بوجوب صوم يوم عاشوراء على الأمة أو بتخير أمته - صلى الله عليه وسلم - بين صيامهم عاشوراء أو بين إفطارهم نسخه أي: بدل حكم عاشوراء شهر رمضان، وإسناد النسخ إلى الشهر مجاز من قبل إسناد السبب إلى المسبب والحاصل أن النسخ فيه جهتان:
ففي حق الله تعالى بيان محض لإِنهاء الحكم الأول وليس فيه معنى التبديل؛ لأنه كان معلومًا عند الله تعالى أنه ينتهي في وقته كذا بالناسخ فكان الناسخ بالنسبة علمه تعالى مبينًا للمدة لا رفعًا؛ لأن الرفع يقتضي الثبوت والبقاء لولاة وههنا البقاء بالنسبة إلى علمه تعالى محال؛ لأنه خلاف معلومه.
وفي حق البشر تبديل؛ لأنه أزال ما كان ظاهر الثبوت ولحقه بشيء آخر وهذا على مثال القتل فإنه بيان انتهاء أجل المقتول عند الله تعالى؛ لأن المقتول ميت بانقضاء أجله عند أهل السنة والجماعة، إذ لا أجل سواه، وفي حق العباد تبديل وتغير وقطع للحياة، والمظنون استمرارها لولا القتل فلهذا يرتب عليه القصاص وسائر الأحكام؛ لأنا أُمِرنا بإرادة الإِحكام على الظواهر كذا قاله عبد الرحمن بن الملك في (شرح المنار) فهذا أي: