للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحال وجد عند عمر بن الخطاب كثير بن الصَّلْت، بن معدي كرب الكندي المدني من كبار التابعين ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في الطبقة الثانية ووهم من جعله صحابيًا كذا قاله في (التقريب) (١) فقال: أي: عمر كما في (الموطأ) (٢) لمالك مِمَّن ريح هذا الطيب؟ فقال كثير: أي: ابن الصلت مني، أي: يا أمير المؤمنين لَبَّدْتُ رأسي، أي: جعلت فيه شيئًا نحو الصمغ ليجتمع شعره؛ لئلا يشعث في الإِحرام ويقع فيه العمل وأردتُ أن أحلق، أي: بعد فراغ نسكي قال عمر: فاذهب إلى شَرَبَةٍ هي بالتحريك حويض حول النخلة كذا في (القاموس)، وقال مالك: الشربة حفير يكون عند أصل النخلة، وفي (التمهيد): الشربة مستنقع الماء عند أصول الشجر حوض يكون مقداريها، وقال ابن وهب: هو الحوض حول النخلة يجتمع فيها الماء، وروى ابن أبي شيبة (٣) عن بشير بن يسار لما أحرموا وجد عمر ريح طيب فقال: ممن هذا الريح فقال البراء بن عازب: مني يا أمير المدينة قال عمر: قد علمنا أن امرأتك عطرة أو عطارة، إنما الحاج الأوقر الأغير، فهذا عمر قد أنكر على صحابيتين وتابعي كبير الطيب بمحضر الجمع الكثير من الناس صحابة وغيرهم، وما أنكر عليه منهم أحد فهو من أقول الأدلة على تأويل حديث عائشة رضي الله عنها، وقد روى وكيع عن شيبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه أن عثمان رأى رجلًا تطيب أي: استعمل طيبًا عند الإِحرام فأمره أن يغسل رأسه بطين كذا قال الزرقاني فادلك وهو أمر من الدلك من باب نصر منها رأسك وكلمة "من" بمعنى "في" كقوله تعالى في سورة الجمعة: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: ٩] والضمير المجرور عائد إلى شربة باعتبار الحوض، وهو مؤنث سماعي (ق ٤٣٨) حتى تُنْقِيَه، أي: من الإِنقاء أو التنقية أي: حتى تنظف رأسك من طيبك ففعل كثير بن الصَّلْت وهذا واضح؛ لأن التلبية بما يغطي الرأس، فإن كان مخلوط بطيب فيوجب دمين والإِدماء.

قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: إنما نحن أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى نعمل بأمر عمر بن الخطاب بعدم استعمال الطيب عند الإِحرام لا أرَى أي: لا أختار أن يتطيبَ أي: يستعمل المُحْرِم حين يريد الإِحرام، أي: إلا أن يتطيب، أي: بذلك الطيب أولًا ثم


(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) أخرجه: ابن أبي شيبة (٤/ ٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>