للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صوم يوم عرفة للحجاج مع أن الصوم أخف من الحجامة، فبطل استدلال المجيز بأنه لم يقم دليل على تحريم إخراج الدم في الإِحرام، لأنا لم نقل بالحرمة بل بالكراهة لعلة أخرى قد علمت.

قال محمد: لا بأس من أن يحتجم المحرم؛ لأن إخراج الدم لا يضر الإِحرام اتفاقًا؛ ولذا يجوز له القصد إجماعًا ولكن لا يحلق وفي نسخة: لا يحلقن شعرًا أي: وإن حلق بعذر فعليه الفدية المتقدمة من قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] والمراد بالصدقة نصف صاع من بر أو صاع من شعير، وإن حلق المحرم رأسه بغير عذر فعليه الدم، وإن لم يكن في موضع الحجامة شعر فلا بأس بها.

بلغنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه احتجم وهو صائم محرم، أي: فوق رأسه، وفي رواية الصحيحين: وسط رأسه في حجة الوداع، كما جزم به الحازمي وغيره، وقد تقدم حلق المحجم موجب للدم في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: الواجب في حلق المحاجم الصدقة؛ لأنه صح أنه - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم (١) ولو كان حلق المحاجم يوجب الدم لما باشره - صلى الله عليه وسلم -.

وأجيب عنه بأنه يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - (ق ٤٥٠) احتجم في موضع لا شعر فيه أو احتجم بعذر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يفعل ما يوجب الصدقة، كما لا يفعل ما يوجب الدم كذا قاله علي القاري فبهذا أي بقول ابن عمر نأخذ، أي: نعمل وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا أي: الحنفيين ولأبي داود والنسائي والحاكم عن أنس رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به (٢) ولفظ الحاكم: "على القدمين"


(١) أخرجه: البخاري (١٧٣٨)، ومسلم (١٢٠٢)، وأبو داود (١٨٣٥)، والترمذي (٨٣٩)، والنسائي في المجتبى (٢٨٤٥)، وأحمد (١٩٢٥)، والدارمي (١٧٦٥)، والنسائي في الكبرى (٣٢٠٦)، وابن حبان (٣٩٥٠)، وابن خزيمة (٢٦٥١)، والطبراني في الكبري (١١٣٨٦)، والأوسط (٢٤٥٥)، وابن الجارود في المنتقى (٤٤٢)، وأبو يعلى (٢٣٩٠)، ومسند أبي حنيفة (ص: ١١٧)، وعبد بن حميد (٦٢٢)، والحميدي (٥٠٠)، وابن الجعد (٢٩٩٤)، والمختارة (٢٠١٢).
(٢) أخرجه: أبو داود (١٨٣٧)، والنسائي في المجتبى (٢٨٤٩)، وأحمد (١٢٢٧١)، والنسائي في =

<<  <  ج: ص:  >  >>