للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى في هذا الباب إذا صادَ الحلال الصَّيْد فذبحه أي: الحلال إن ذبحه المحرم للصيد حرام عليه وعلى غيره إذ يصير نجسة فلا بأس بأن يأكل المُحْرِم من لحمه، أي: من لحم صيد الحلال وذبحه إن كان أي: سواء كان صِيد بصيغة المجهول أي: اصطيد من أجله، أي: بلا دلالة محرم وأمره أو لم يُصَدْ بصيغة المجهول من أجله؛ خلافًا لما ذهب إليه عثمان، وبه قال مالك والشافعي مستدلين بما رواه أبو داود (١) والترمذي (٢) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم بأمركم" لأن الحلال صادَه وذبحه، وذلك أي: ما ذكر من الفعلين له أي: للمحرم حَلال، أي: بالإِجماع فخرج من حال الصَّيْد، وصار لحمًا، أي: كسائر اللحوم فلا بأس أي: لا كراهة بأن يأكل المُحْرِم منه أي: كما يجوز له أن يأكل من لحم الغنم ونحوه إذا ذبحه حلال أو محرم اتفاقًا.

وأما الجراد فقد اختلف العلماء في كونه صيد البحر أو البر فلا ينبغي للمحرم أن يصيده، أي: يأخذه ويأكل منه؛ لأنه الأحوط وعليه الأكثر فإن فعل كَفَّرَ، أي: بقيمته وتَمْرَةٌ خيرٌ من جَرَادَة، أي: كما رواه ابن أبي شيبة عن عمرو بن عباس كذلك قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه أي: كما رواه يحيى في (موطئه) عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله عن جرادة قتلها وهو محرم فقال عمر لكعب: تعالى حتى تحكم فقال: درهم درهم فقال عمر لكعب: إنك لتجد الدراهم تمرة خير من جرادة انتهى.

ولا يخفى هذا من كعب مخالفًا لما سبق من فتواه، ولا الحق من عمر فيما أمضاه، ولعلهما رجعًا عن قولهما أولًا أو رجع كعب إلى رأي عمر لما تبين أنه أظهر وهذا كلّه قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا وفي (شرح الهداية) لابن الهمام وعليه كثير من العلماء لكنه يشكل عليه ما في أبي داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة أو عمرة فاستقبلنا رجل، أي: قطيع من جراد فجعلنا نضربه بسياطنا وقسينا فقال: - صلى الله عليه وسلم -: "كلوه فإنه من صياد البحر" فعلى هذا لا يكون فيه شيء وتبع عمر أصحاب المذاهب انتهى.

قال علي القاري: يحل للمحرم أكل الجراد عند الأئمة الأربعة سواء مات بحتف أو


(١) أبو داود (١٨٥١).
(٢) الترمذي (٨٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>