لابنه يا بني إياك والكسل والضجر، فإنهما مفتاح كل شر، إنك إن كسلت لم ترد حقًا وإن ضجرت لم تقر على حق، عن عروة بن عبد العزيز قال: سألت محمدًا عن حلية السيوف فقال: لا بأس به قد حلى أبو بكر الصديق سيفه، قلت: وتقول الصديق، فوثب وثبة واستقبل القبلة ثم قال: نعم الصديق، نعم الصديق، نعم الصديق فمن لم يقل الصديق فلا صدق الله قولًا في الدنيا وفي الآخرة وعن جابر قال: قال لي محمد: بلغني أن قومًا بالعراق يزعمون أنهم يحبون وينالون أبا بكر وعمر ويزعمون أني أمرتهم بذلك، فأبلغهم أني إلى الله بريء منهم، والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت لله تعالى بدمائهم، لا نالني شفاعة محمد أن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما، إن أعداء الله لغافلون عنهما يا جابر، إني لمحذور وإني لمشغل القلب.
قلت: وما ذاك قال: إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغله الله عما سواه في الدنيا، وما عسى أن تكون هل هو إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها، ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم ولم يصمهم عن ذكر الله تعالى ما سمعوا بآذانهم من الفتنة، ولم يعمهم عن نور الله تعالى ما رأوها بأعينهم من الريبة، فقال: بثواب الأبرار، وإن ذكرت أعانوك قولين بحق قوامين بأمر الله، فأنزل الدنيا كمنزل نزلت به، وخرج حاجًا فلما دخل المسجد الحرام نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته، فقال له مولاه: أفلح بأبي وأمي إن الناس ينظرون (ق ٤٩٠) إليك فلو رفعت بصوتك قليلًا قال: ويحك ولم لا أبكي لعل الله ينظر إليَّ منة برحمته فأفوز بها عنده غدًا، ثم طاف بالبيت، ثم ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموعه. عن عبد الله بن عطاء قال: ما رأيت العلماء عند أحدًا أصغر علمًا منهم عند محمد، لقد رأيت الحاكم عنده كان متعلمًا وفقد بلغه له، فقال: لئن ردها الله تعالى لأحمدنه بمحامد يرضاها، فما لبس أن أتى بها بسرجها ولجامها فركبها، فلما استوى عليها وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء وقال: الحمد كله لله لم يزد عليها، وكان يقول في جوف الليل: أمرتني فلم آتمر وزجرتني فلم أذدجر، هذا عبدك بين يدك، ولا اعتذر، وقال: وكفى بالمرء عيبًا أن يبصر من الناس ما يعمر عليه من نفسه وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه أوصى أن يكفن في ثوبه الذي كان يصلي فيه كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في (طبقاته) عن جابر بن عبد الله