للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جريج بلفظ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر.

قال مالك: وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا، وقال به جميع العلماء إلا ابن عباس، وفي مسلم وغيره عن أبي الطفيل قلت لابن عباس: أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أسنة هو، فإن قومك يزعمون أنها سنة؟ قال: صدقوا وكذبوا قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة، فقال المشركون: إن محمدًا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال، وكانوا يحسدونه فأمرهم أن يرملوا ثلاثًا ويمشي أربعًا أي: صدقوا في أن المصطفى فعله وكذبوا في أنه سنة، لإِظهار القوة للكفار، وقد ذال ذلك المعنى. هذا معنى كلامه، وكان عمر بن الخطاب لحظ هذا المعنى ثم رجع عنه ففي الصحيحين أنه قال: ما لنا وللرمل، إنما كنا رأينا المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال: شيء صنعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم نحب أن نتركه.

زاد الإِسماعيلي: ثم رمل فهم بتركه لفقد سببه ثم رجع لاحتمال أنه له حكمة لم يطلع عليها، فراعى الاتباع أولى، وقد يكون فعله باعثًا عن تذكر سببه، فيذكر نعمة الله تعالى على أن أعز الإِسلام وأهله ثم لا يشكل قوله رأينا مع أن الرياء بالعمل مذموم؛ لأن صورته وإن كانت صورته الرياء لكنها ليست مذمومة؛ لأن المذموم يظهر العمل ليقال: إنه عامل ويعمله إذا لم يره أحد، وما وقع لهم إنما هو من المخادعة في الحرب لأنهم أوهموا المشركين أنهم أقوياء لئلا يطمعوا فيهم وقد صح: "الحرب خدعة"، كما قاله الزرقاني (١).

قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: نعمل بحديث جابر بن عبد الله الحرامي الرَّمل ثلاثة أشواط وفي نسخة: وفي ثلاثة أشواط من الحَجَر إلي الحَجَر، أي: الأسود لا ركن اليماني كما قال بعضهم وهو أي: ما قاله جابر بن عبد الله الحرامي قولُ أبي حنيفة، والعامَّةِ من فقهائنا أي: من أتباع أبي حنيفة رحمه الله ونفعنا الله بعلمه وبركته، وأما الاضطباع فمن أول أطوافه إلى آخره لما روى أبو داود (٢) والمنذري وقال: حديث حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى تفسير لقوله: وأما


(١) في شرحه (٢/ ٤٠٤).
(٢) أبو داود (١٨٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>