للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صورة الذر، بعضها أبيض وبعضها أسود وانتشروا على يمين آدم، صلوات الله على نبينا وعليه ويساره فجعل للأرواح عقلًا، فخاطبهم حين أشهدهم على أنفسهم بقوله: {ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ} وأمرهم بالإِيمان ونهاهم عن الكفر فأقروا لله تعالى بالربوبية ولأنفسهم بالعبودية، حيث قالوا: بلى فكان ذلك منهم إيمانًا فهم يولدون على تلك الفطرة، كما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الفقه الأكبر، والمراد بالفطرة الإِيمان، جدد الله تعالى هذا العهد والميثاق، وذكر لنا هذا المنسى بإرسال الرسول، وأنزل القرآن وفرض على أغنياء المؤمنين حج البيت، ليحجوا به ويقبلوا الحجر الأسود ويجددوا عهودهم وميثاقهم السابق.

وروى جابر رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة أتى الحجر الأسود واستلمه. كذا في (المصابيح) وهو كان أبيض مضيئًا ما بين المشرق والمغرب، ثم صار أسود بخطايا بني آدم، وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاء ما بين المشرق والمغرب" (١) كذا أورده محيي السنة في (المصابيح).

والمراد بالركن: الحجر الأسود، وبالمقام: مقام إبراهيم صلوات الله على نبينا وعليه، وبالطمس: إذهاب النور، والتأويل الحسن أن فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم على سائر الأحجار كفضل ياقوت (ق ٥١٥) الجنة الباقية على ياقوت هذه الفانية.

٤٧٨ - أخبرنا مالك، حدثنا سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عن عُبيد بن جُريج، أنه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن، رأيتك تصنع أربعًا؛ ما رأيتُ أحدًا من أصحابك يصنعها، قال: فما هنّ يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تَمَسُّ من الأركان إلا اليمانَيْن، ورأيتك تلبس النعال السَّبْتية؛ ورأيتك تصبُغُ بالصفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهلَّ الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى يكون يوم التَّرْوِيَة.


(١) أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٢١٣) والحاكم في المستدرك (١/ ٤٥٦) والبيهقي في الكبرى (٥/ ٧٥).
(٤٧٨) إسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>