للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذهب وقت الغدوة من منى إذا طَلَعتِ الشمس إلى عَرَفَة اتباعًا لما رواه ابن عمر وغيره من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا الحديث موقوف على ابن عمر حقيقة ومرفوع حكمًا، لما روى مسلم عن جابر، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وركب - صلى الله عليه وسلم - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر من أبي داود (١) والترمذي وأحمد (٢) والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى، ولأحمد عنه - صلى الله عليه وسلم - بمنى خمس صلوات.

ولابن خزيمة والحاكم عن عبد الله بن الزبير قال: من سنة الحج أن يصلي الإِمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفات.

وقد استحب ذلك الأئمة الأربعة وغيرهم، وأما قول أنس عن الشيخين افعل كما يفعل أمراؤك (ق ٥٣٠) فإشارة إلى متابعة أولي الأمر، والاحتراز عن مخالفة الجماعة، وأن ذلك ليس بواجب، وأن الأمر إذ ذاك ما كانوا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين. كذا قاله الزرقاني.

قال محمد: هكذا السُّنَّة، أي: المأثورة، وإلا فهي المستحبة كما يدل عليه قوله: وإن عجَّلَ أي: تقدم إلى عرفات في يوم التروية أو قبله أو تأخَّرَ، أي: عن صبح عرفة لضرورة عن غيرها بحيث يصل عرفات في وقت وقوفها وفي نسخة: فإن عجل أو أخر فلا بأس، إن شاءَ الله تعالى، وإنما استثنى احتياطًا؛ لاحتمال جعل تأخره - صلى الله عليه وسلم - في منى كان للنسك وقصد العبادة ولضرورة قلة الماء بعرفات هو للاستراحة ولحوق الجماعة المتأخرة، وعلى كل تقدير فالأولى هو المتابعة تعبدًا في الطاعة وهو أي: عدم البأس في تقدم عرفات في يوم التروية أو تأخره قولُ أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، ولا أعلم خلافًا في ذلك.

لما فرغ من بيان ما يتعلق بالصلاة في منى يوم التروية، شرع في بيان ما يتعلق بالغسل بعرفات، فقال: هذا

* * *


(١) أبو داود (١٩١١).
(٢) الترمذي (١/ ٢٩٧)، وأحمد (٢٧٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>