وذلك في وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإِمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم، وصوَّب النووي هذا الثاني، فعن البخاري وغيره عن ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم النحر بين الجمرات، فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى انتهى. فطفق الناس يسألونه، أي: عن مسائل حجهم فجاءَ رجلٌ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ومما سأل في هذه القصة، وكانوا جماعة، لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره: كان الأعراب يسألونه فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم فقال: يا رسول الله، لم أشْعُر، بضم العين أي: لم أدر وجوب الترتيب أو سنة فنحرتُ قبل أن أرْمِي، قال:"ارْمِ أي: بعد النحر ولا حَرَج"، أي: لا إثم عليك بالجهل بالأحكام، وهو عذر في بداية الإِسلام وقال آخرُ: يا رسول الله، لم أشعُر أي: لم أفطن يقال: شعرت الشيء شعورًا إذا أفطنت له وقيل: الشعور العلم، ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور، وبينه يونس عند مسلم بلفظ: لم أشعر الرمي قبل الحلق فحلقتُ أي: شعر رأسي قبل أن أذبح، والفاء سببية جعل الحلق سببًا عن عدم الشعور كأنه يعتذر لتقصيره قال: أي: - صلى الله عليه وسلم - (ق ٥٤١)"اذبح أي: بعد الحلق ولا حَرَج"، أي: لا إثم في تأخيره، لما مر.
قال القاضي عياض: ليس أمرًا بالإعادة، وإنما هو إباحة لما فعل لأنه سأل عن أمر فرغ منه، فالمعنى افعل ذلك متى شئت ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي، وفي مسائل الإِثم عن الساهي، فالأصل أن تارك السنة عمدًا لا يأثم إلا أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للتحرك قال: أي: عبد الله بن عمر فما سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيءٍ يومئِذٍ أي: من مسائل الحج قُدِّمَ أي: فيما يستحق التأخير كالطواف والسعي ولا أُخِّرَ، أي: فيما يستحق التقديم من الرمي والحلق والذبح إلا قال: "افعل أي: المؤخر ولا حرج" أي: في تقديم المؤخر، والحديث في الصحيحين، وبظاهره أخذ الشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: إن حلق قبل الرمي أو نحر القارن أو المتمتع قبل الرمي أو حلق قبل الذبح أو أخر طواف الفرض أو الحلق عن أيام النحر يجب عليه دم، وأما لو طاف قبل الرمي والحلق فلا شيء عليه، ويكره، ودليل أبو حنيفة ما رواه ابن أبي شيبة والطحاوي من حديث ابن عباس قال: من قدم شيئًا في حجة أو أخره فليهرق لذلك دمًا.