للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالبيت، أي: ولو امتد الأيام ولا يخفى ما فيه من الحرج العام وما يترتب من الآثام وهو يتداوى أي: يعالج نفسه من المحظورات مما اضْطُر إليه، بصيغة المجهول أي: بما حصل له من الضرورات، ويفدي أي: بما يجب عليه من أنواع الكفارات، وليحيى: إن اضطر إلى لبس شيء من الثياب التي لا بد منها أو الدواء صنع ذلك ويفتدي.

قال سعيد بن زيد الباجي المالكي: كون المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف إلى آخره مذهب ابن عمر، وإليه ذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة: له التحلل حيث أحصر، يعني سواء اشترط ذلك في ابتداء إحرامه، كما قاله الشافعي.

قال محمد: بلغنا عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه أنه جعل المحصر بالوجع بفتح الجيم أي: المرض المؤلم كالحصر بالعَدُوّ، أي: قياسًا عليه ولمساعدة اللغة إليه على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فَسُئِلَ أي: ابن مسعود، والفاء تفصيلية عن رجل قيد واقعي لا احترازي اعتمر، أي: أحرم بعمرة فنهشته بالشين المعجمة، وفي لغة بالمهملة أي: لدغة حَيّة، فلم يستطع المضي، أي: إلى الحرم بأفعال العمرة فقال عبد الله بن مسعود: ليبعث بصيغة الأمر الغائب بهدي أي: ليرسل مع بعض أصحابه ويواعد أصحابه يومَ أمَارٍ، بفتح الهمزة بمعنى أمارة أي: مواعد وقتًا معينًا فإذا نحر عنه الهدْيُ بصيغة المجهول حل أي: خرج من إحرامه، ولا صلاة عليه ولا يقصر، وإن يحلق فحسن، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد.

وقال أبو يوسف: عليه الحلق، وإن لم يحلق فلا شيء عليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم أحصروا بالحديبية، فأمرهم بعد بلوغ الهدايا محلها أن يحلق وحلق - صلى الله عليه وسلم -، ولهما أن الحلق عرف قربه إذا كان مرتبًا على أفعال الحج، ولم توجد أفعاله هنا وأمر - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بالحلق ليعرف المشركون قوة عزمهم على الانصراف، فيحصل الأمن من كيد المشركين فلا يشتغلوا بأمر الحرب (ق ٥٤٩).

أقول: ولا مانع من أن يكون الحلق الواجب متضمنًا لهذه المراتب، وأيضًا فكما أن الحلق عرف قربه إذا كان مرتبًا على أفعال الحج، فكذلك يترتب على أفعال العمرة وإنما سقطت الأعمال للضرورة، وما لا يدرك كله لا يترك كله، وأيضًا ظاهر الآية مؤيد لقول أبي يوسف حيث قال تعالى بعد قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] وهو الحرم ذبحه فيه مجرد وصوله،

<<  <  ج: ص:  >  >>