للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ثالثًا: أن هذا القول جاء وسطًا بين الأقوال الأخرى، فهو أولى الأقوال بالقبول؛ لأن من منع مطلقًا ليس معه نص يمنع الإجارة، بل تمسك بعمومات الأدلة، وببعض الأدلة العقلية، وكل هذه أمكن مناقشتها بما يضعف الاستدلال بها.

وأما من أجاز مطلقًا فقد أمكن حمل أدلته على النذر جمعًا بين الأدلة، وكذلك أمكن دفع هذا الإطلاق بالتفريق بين صوم النذر والصوم الواجب بأصل الشرع شرعًا وعقلاً.

* رابعًا: أن هذا القول جاء متمشيًا مع مقاصد الشريعة وحكمها؛ وبيان ذلك:

١ - إن الأخذ بهذا القول فيه تبرئة لذمة الميت، وفكّ لرهانه، حيث ألزم نفسه بما لم يلزمه به الله تعالى (١).

٢ - فيه محافظة على حكم الصوم وفوائده، والإبقاء على مقاصده الشرعية الكثيرة؛ لأننا لو قلنا بالجواز مطلقًا لأدى ذلك إلى التهاون، والتكاسل عن أداء هذه الفريضة العظيمة، وما على المكلف إلا أن يوصي بقضاء ما عليه من صوم، وفي هذا تضييع لهذه الفريضة، كما لا يخفى.

ولو قلنا بالمنع مطلقًا لبقيت ذمة الميت مشغولة بما ألزم به نفسه، والأصل المسارعة بتبرئة ذمته، وفكّ رهانه حتى ينعم في قبره وأخرته؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قُتِلَ في سبيل الله، ثم أُحْييَ، ثم قتل، ثم أُحيي، ثم قتل، وعليه دين ما دخل الجنة حتى يُقضى عنه دينه) (٢).


(١) المغني لابن قدامة: ٤/ ٤٠٠.
(٢) أخرجه النسائي في البيوع، باب التغليظ في الدين: ٧/ ٣٦١ (٤٦٩٨)، والحديث حسن، حسنه الألباني كما في صحيح سنن النسائي: ٢/ ٩٦٩ (٤٣٦٧)، وحسنه الأرناؤوط في تخريجه لجامع الأصول: ٤/ ٤٦٤ (٢٥٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>