للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن تيمية رحمه الله: "ومن عجز عن الجهاد ببدنه، وقدر على الجهاد بماله، وجب عليه الجهاد بماله، هو نصّ أحمد في رواية أبي الحكم، وهو الّذي قطع به القاضي في أحكام القرآن في سورة براءة عند قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} فيجب على الموسرين النفقة في سبيل الله .... " (١).

فإذا قصر الأغنياء، والقادرون في النفقة في سبيل الله، أو كان ما ينفقونه لا يسد حاجة الجند من النفقة والعتاد، فهل للإمام أن يفرض على القادرين من الرعية من المال ما يسد به حاجة المجاهدين من نفقة، وسلاح، وغير ذلك؟

لا خلاف بين المذاهب في جواز ذلك للإمام، ولكن بشرط خلو بيت المال من الأموال الّتي تكفي حاجة الجند (٢).

قال محمّد بن الحسن: "لو أراد الإمام أن يجوز جيشًا، فإن كان في بيت المال سعة، فينبغي له أن يجهزهم بمال بيت المال، ولايأخذ من النَّاس شيئًا، وإن لم يكن في بيت المال سعة كان له أن يتحكم على النَّاس بما يتقوى به الذين يخرجون للجهاد" (٣).

وقال الشاطبي: "إنا إذا قررنا إمامًا مطاعًا مفتقرًا إلى تكثير الجنود لسدّ الثغور، وحماية الملك المتسع الأقطار، وخلا بيت المال، وارتفعت حاجات الجند إلى ما


(١) الاختيارات الفقهية لابن تيمية: ص / ٣٠٨
وقد بين شيخ الإسلام أن الخلاف في وجوب الجهاد بالمال إنّما هو عندما يكون الجهاد فرض كفاية، فأمّا إذا تعين، فيجب إجماعًا، قال رحمه الله: " ... وينبغي أن يكون محل الروايتين في واجب الكفاية، فإذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه، فإن دفع ضررهم عن الدِّين، والنفس، والحرمة واجب إجماعًا". (الاختيارات: ص/٣٠٨).
(٢) المبسوط للسرخسي: ١٠/ ٢٠، شرح فتح القدير لابن الهمام ٤/ ٢٨٤، الاعتصام للشاطبي: ٢/ ٩١٦، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: ٧/ ٦٧، ٦٨، وقد نقل ذلك عن العز بن عبد السلام.
(٣) السير الكبير مع شرحه للسرخسي: ١/ ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>