للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روي في الحديث الأول قد وقع أيضا فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بالآية ليكون فيه تيسير للمسلمين في الصيام. وفي هذه الحالة تكون الآية قد نزلت منفصلة عن أخواتها بعد مدة ما ثم ألحقت بها للمناسبة.

١٤- وقالوا ورووا في صدد: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ إن بعض المسلمين الذين كانوا ينذرون الاعتكاف في المساجد ليلا ونهارا في شهر رمضان أو بعض أيامه كانوا يخرجون ليلا من المسجد فينكحون ثم يغتسلون ويعودون فنهوا عن ذلك. ولم نر قولا آخر في هذا الصدد. ويظهر أن بعض المسلمين خالفوا حدود سنة الاعتكاف التي سنها النبي لأصحابه كما خالفوا أمره بعدم الأكل والشرب والجماع بعد النوم فاحتوت الآية النهي عن ذلك.

ونقول استطرادا: إن من المفسرين من جعل المباشرة الجلدية دون الجماع في حكم الجماع المنهي عنه، والذي هو مفسد للصوم إطلاقا في حالة الاعتكاف وغيرها. ومنهم من ألحق التقبيل والمعانقة، ومنهم من أباح كل ذلك. استنادا إلى حديث رواه الخمسة عن عائشة (رضي الله عنها) جاء فيه: «كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقبّل ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه» «١» . وهناك حديث آخر رواه أبو داود والبيهقي وصححه عن أبي هريرة جاء فيه «٢» : أن رجلا سأل النّبي عن المباشرة فرخص له وأن شخصا آخر سأله عنها فنهاه وكان الأول شيخا والثاني شابا.

والذي يتبادر لنا أن الجوهري في المسألة هو ملك الإرب مع التيسير للهو والتحبب. وأن من لا يظن في نفسه القدرة على ذلك فالمنع هو الحكم. بل يتبادر لنا أن المنع هو الأولى في كل حال من باب الاحتياط، لأن الإنزال في حالة المباشرة في اليقظة مفسد للصيام بالإجماع.

وننبه على أن هناك أحاديث نبوية عديدة في الاعتكاف في رمضان فيها توضيح لما جاء في هذه النبذة. منها حديث رواه الخمسة عن عائشة قالت:

«كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفّاه الله ثم اعتكف أزواجه


(١) التاج ج ٢ ص ٦٥.
(٢) التاج ج ٢ ص ٦٥. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>