١٥- وقد قالوا ورووا في صدد جملة: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أنها عنت أن القرآن أنزل دفعة واحدة في رمضان إلى سماء الدنيا ثم صار ينزل منجّما، وهذا القول قيل في سياق الآية: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) في سورة القدر والآية: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [٣] في سورة الدخان وعلقنا على ذلك بما يغني عن التكرار. ولقد أورد ابن كثير في سياق الجملة أحاديث نبوية تذكر نزول القرآن وصحف إبراهيم والتوراة والزبور والإنجيل في رمضان أيضا وكأنها تساق لتأييد هذا القول. منها حديث برواية الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«إنّ صحف إبراهيم نزلت في أول ليلة من رمضان والتوراة لست مضين منه والإنجيل لثلاث عشرة خلت والقرآن لأربع وعشرين» وحديث مروي عن جابر جاء فيه: «إن الزبور نزل لثنتي عشرة مضت من رمضان والإنجيل لثماني عشرة» وهذه الأحاديث لا تعدّ من الصحاح، والثاني بخاصة لا يستند إلى سند معروف. ويجوز التوقف فيها. وصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى الأصلية (عليهم السلام) ليست في أيدينا. وبالنسبة للقرآن الذي في أيدينا كما نزل نقول إن هذا القول بالإضافة إلى كونه غير مفهوم الحكمة هو غير منسجم مع حقيقة كون فصول القرآن كانت تنزل في مناسبات أحداث السيرة المتجددة والمتبدلة. ولقد روى المفسرون عن الشعبي في تأويل: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ سورة القدر [١] أنها بمعنى إنا بدأنا بإنزاله، وهذا هو ما تطمئنّ إليه النفس كما ذكرنا ذلك في تعليقنا على هذه المسألة في سورتي الدخان والقدر، والمتفق عليه المؤيد بحديث عائشة في أولية الوحي الذي أوردناه في تفسير سورة العلق أن الآيات الخمس الأولى من هذه السورة هي أول ما نزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم في ليلة القدر إحدى ليالي أواخر رمضان على ما شرحناه في تفسير سورة القدر.
والذي يتبادر لنا أن الآية التي نحن في صددها قد قصدت ذلك للتنويه ببركة شهر