ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن النهي عن الرفث والفسق والجدال في أشهر الحج بالإضافة عن النهي عن القتال العدواني وسفك الدم بغير فسق لا يعني إباحة ذلك في غيرها. وإنما هو من قبيل تعظيم فظاعة ذلك وأولوية الامتناع عنه في هذه الأشهر بالإضافة إلى وجوب الامتناع عنه في كل ظرف.
٣- لقد صرف معظم المفسرين كلمة الرَّفَثُ إلى الجماع ودواعيه والتعريض به ومن جملة ذلك خطبة النكاح واستدلوا على ذلك بآية وردت في هذه السورة وهي: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ وهناك من قال إن النهي مقيد بحالة الإحرام وإن الحاج الذي يتمتع بالعمرة يرتفع الحظر أثناء حالة حلّه بين العمرة وعرفات. ويتبادر لنا أن التحذير من الرفث مع الفسوق والجدل جملة وإطلاقا وطيلة أشهر الحج بجعل صرف الرفث عن كل فاحشة منكرة وهو الأكثر وجاهة والله تعالى أعلم.
٤- لقد روى البخاري في صدد جملة وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى حديثا عن ابن عباس قال:«كان أهل اليمن يحجّون ولا يتزوّدون ويقولون نحن المتوكّلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله الآية»«١» . ويلحظ أن الجملة جزء من آية فيها تنبيه على ما يجب أن يكون عليه الحاج من حسن أخلاق وبعد عن كل فحش وفسق. ومع احتمال صحة ما روي عن أهل اليمن فإننا نتوقف في كون الجملة نزلت في شأن عدم اعتيادهم على حمل الزاد. ويتبادر من روح الآية أن كلمة وَتَزَوَّدُوا في مقامها هي بسبيل الحض على الإكثار من عمل الخير والتشديد على تقوى الله واجتناب المعاصي في الأشهر الحرم. وكلمة (الخير) التي سبقت كلمة (وتزودوا) وتكررت بعدها من القرائن على ذلك فيما نرى ونرجو أن يكون الصواب.
٥- روى البخاري ومسلم عن ابن عباس في صدد جملة: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ قال: «إن الناس في أول الحجّ كانوا