الأساس الذي يجب أن تكون عليه العلاقة الزوجية وهي الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان. فالله تعالى قد خلق الإنسان من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن كل من الزوجين للآخر على أساس المودة والرحمة وكل معاملة وسلوك تعورف على أنهما حق وواجب ومتسقان مع المودة والرحمة، فإذا تعذر تحقيق هذا المبدأ الإيجابي فهناك المبدأ السلبي وهو التسريح بإحسان أي الفراق بالحسنى من غير مضارة ولا أذى ولا تهجير ولا إرهاق ولا تشاتم ولا شقاق.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن مخالفة الزوج لهذين المبدأين اللذين انطويا في الجملة إثم ديني عظيم عند الله، وقد عبرت الآية [٢٣١] التي تأتي بعد قليل عن ذلك تعبيرا قويا جدا. فعدم الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان سواء أفي حالة الزواج من حيث الأصل أم في حالة المراجعة في الطلاق الرجعي يعني أن الزوج يتلاعب بآيات الله ويحتال عليها ويتخذها هزوا والعياذ بالله. وقد يبرر هذا أن يقال إن من حق المرأة التي تتعرض لذلك أن ترفع أمرها للقضاء ليضع الأمر مع الزوج في نصابه الحق بتحقيق أحد المبدأين وحماية الزوجة من الأذى والإعنات والضرر والعدوان. وتدعم هذا فيما يتبادر لنا آية سورة النساء هذه: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥)«١» ، ثم آيات سورة النساء هذه: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا
(١) الآية الأولى نزلت في صدد قوامة الرجل على المرأة وحقه في تأديبها إذا نشزت والآيات الأخرى نزلت في صدد الرجل الذي يريد أن يتزوج على امرأته ناشزا عنها. ولكن الآيات يصح أن تساق في المقام الذي سقناه فيها لتدعيم ما أردنا قوله ونؤجل شرح مدى الآيات إلى مناسباتها.