للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد أورد ابن كثير نصّ هذا الحديث وقال إنه غير صحيح. والهوى الشيعي بارز عليه. وننبه هنا كما نبهنا في مناسبات سابقة على أننا لسنا في صدد إنكار مزايا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومنزلته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكما اختلف أهل التأويل من أصحاب رسول الله وتابعيهم في مدى جملة أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ اختلف فيه أصحاب المذاهب الكلامية الذين جاءوا بعدهم.

حيث استدل بعضهم بالآية على أن القياس- وهو من أصول التشريع في الإسلام- باطل لأنها دلت على أن الله تعالى قد نصّ على الحكم في جميع الوقائع إذ لو بقي بعضها غير مبين الحكم لم يكن كاملا وإذا حصل النص في جميع الوقائع فالقياس إن كان على وفق ذلك كان عبثا وإن كان على خلافه كان باطلا. وحيث استدل بعضهم بها على بطلان الاجتهاد والرأي من حيث إن القرآن يذكر أن الله قد أكمل للمسلمين دينهم فلم يعد هناك مجال لاجتهاد ولا رأي. وقد ردّ عليهم مخالفوهم ردودا عديدة موجز ما تفيده أن الجملة القرآنية قد عنت الأمور العامة والعمومات الشاملة مما يحتاج إليه المسلمون في عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم دون المسائل الفردية. وإن مما يدخل في الباب ما جاء في آيات مكية من الإشارة إلى أن الله قد أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء «١» . وأنه لم يفرط في الكتاب من شيء «٢» . مع أنه لم يكن نزل من التشريعات والأحكام شيء هام لأن ذلك إنما كان في العهد المدني. وأن السنة النبوية قد احتوت أمورا كثيرة رئيسية وثانوية لم ينص عليها القرآن صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول هذه الجملة وبعدها. وأن القياس واستنباط الأحكام الجزئية والفردية من عموميات النصوص القرآنية والسنّة النبوية الثابتة لا يناقض ذلك «٣» . وفي هذا من السداد والوجاهة ما هو ظاهر. وإذا كان من شيء يحسن أن نقوله أيضا فهو أن القرآن والسنة قد احتويا من المبادئ والتقريرات والقواعد والأحكام ما فيه سداد لجميع حاجات المسلمين والبشر في مختلف


(١) آية سورة النحل ٨٩.
(٢) آية سورة الأنعام ٣٨.
(٣) انظر تفسير الآية في تفسير المنار والقاسمي. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>