الشؤون ومختلف الأزمنة والأمكنة بوجه عام بحيث يصح القول إن الشريعة الإسلامية التي يمثلها القرآن والسنة دين كامل وشريعة تامة. ومن هذه المبادئ والتقريرات والقواعد والأحكام ما هو محدود ومنه ما هو خطوط وتلقينات عامة.
ولما كانت حاجات الحياة في مختلف مجالاتها كثيرة ومتجددة ثم متبدلة بتبدل الظروف فقد اقتضت حكمة الله ورسوله أن يكون المحدود هو الأقل. وأن يترك للمسلمين أن يجدوا الحلول لمختلف حاجاتهم الأخرى بالاجتهاد والقياس والاقتباس والاستنباط على شرط أن يكون ذلك في نطاق تلك الخطوط والتلقينات العامة. ويصح أن نورد أمثلة كثيرة على ذلك. ونكتفي بمثل واحد. فالشريعة الإسلامية القرآنية والنبوية أوجبت أن يكون أمر المسلمين شورى بينهم وأمرت باستشارة المسلمين في الشؤون العامة السياسية والحربية مما شرحناه في سياق تفسير آية آل عمران [١٥٩] وسكتت عن بيان الكيفية لأن ذلك عرضة للتبدل والتطور على ما هو المتبادر. فهنا مجال اجتهاد أولي العلم والأمر والشأن من المسلمين لاختيار الطريقة المناسبة لتحقيق هذا الواجب. ولا يرد أي وارد لمنع ذلك. وقد نبهنا على كل هذا بشيء من الإسهاب أيضا في سياق تفسير آيات سورة النساء [٥٩ و ٨٣ و ١١٥] .
وهذا هو في صدد موضوعية الجملة الحرفية. غير أن من الحق أن ننبه مع ذلك في صدد مقام ورودها إلى ما ذكرناه قبل من أن الآية الثالثة احتوت إتماما وتوضيحا لجملة أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ في الآية الأولى من السورة ومن أن المقطعين استهدفا التدعيم والتثبيت والتنويه. وإلى ما رجحناه من نزولها بعد قليل من صلح الحديبية الذي عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعده أربع سنوات أخرى نزل في أثنائها كثير من الأحكام القرآنية وصدر عن الرسول عليه السلام كثير من البيانات في مختلف الشؤون وإلى ما أوردناه من قول الطبري من عدم اتفاق أهل التأويل في القرن الهجري الأول على كون الجملة تعني كمال العبادات والأحكام والشرائع حين نزولها حيث يسوغ القول بناء على ذلك أنها في مقامها دون موضوعها لا تستوجب الخلاف الكلامي الذي دار حولها بعد ذلك القرن. والله تعالى أعلم.