ولعلها أقحمت عليها لأنها وردت في حديث صحيح مع أن الحديث لا يذكر بأن لها صلة بالآيات أيضا. ونظم الآيات منسجم مع بعضه بحيث يبعد أن تكون نزلت متفرقة وفي مناسبات مختلفة. ولسنا نرى في رواية أبي لبابة التي انفرد بها الطبري صلة مفهومة بالآيات.
ونصّ الآيات يفيد أن الفريق المنافق قد نقل على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله أو أن الفريق اليهودي حرّف ما سمعه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وأن الفريقين اشتركا معا في التهويش والتشويش وأنه كان لذلك أثر شديد محزن في نفس النبي صلى الله عليه وسلم. ويلهم كذلك أن الحادث وقع في ظرف كان اليهود فيه ما يزالون في المدينة يدسّون ويتآمرون مع المنافقين. وإذا صحّ هذا فيكون هذا الفصل والفصول التي سبقته المحتوية على صور من مواقف اليهود وتاريخهم وواقعهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قد نزلت قبل صلح الحديبية الذي للفصول الأولى من السورة صلة به كما نبهنا على ذلك من قبل. ويكون في هذا دليل على ما ذكرناه في مقدمة السورة من أن في فصول السورة ما هو متقدم في النزول متأخر في الترتيب، وما هو عكس ذلك، وأنها ألّفت مؤخرا بعد أن تمّ نزول ما شاءت حكمة الله ورسوله أن تحتويه من فصول.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم بالقسط بين اليهود في القضايا التي يحكمونه فيها ويريد أن يحكم فيها متسق كما هو واضح مع المبادئ القرآنية المتكررة في إيجاب العدل والقسط بخاصة مع المبدأ الذي شدد عليه في الآية الثامنة من هذه السورة وهو عدم التأثر ببغض قوم وجعله مؤثرا في العدل معهم. والروعة والتساوق يبدوان بارزين خاصة لأن الآيات حكت مواقف تهويش وشغب مقصودة وقفها اليهود. وهذا التلقين مستمر المدى كما هو واضح.
وفي الآيات تخيير للنبي صلى الله عليه وسلم في الحكم بينهم إذا جاءوا إليه أو الإعراض عنهم. ولقد روى الطبري عن الشعبي وعطاء وابن جريج أن حكم الآية محكم وأن للحاكم المسلم الخيار في الحكم بين من يأتي إليه من غير المسلمين وعدم الحكم. كما روى عن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة أن حكمها منسوخ بآيات الجزء التاسع من التفسير الحديث ٩