للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعِنْدَ ذَلِكَ أَحَسَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِخِفَّةٍ، فَخَرَجَ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَاصِبًا رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ (١) دَسْمَاءَ (٢)، وَعَلَيْهِ مَلْحَفَةٌ مُتَعَطِّفًا بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ، حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، ثُمَّ جَلَسَ -وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ حَوْلَهُ-، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفَرَ لِلشُّهَدَاءِ الذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ أُحُدٍ (٣)، ثُمَّ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ"، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-، وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وأمهاتنا، فَعَجِبَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَالُوا: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ! إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ.

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ -رضي اللَّه عنه- رَاوِي الْحَدِيثِ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- هُوَ الْعَبْدُ (٤)، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا.


(١) هذه رواية البخاري في صحيحه - رقم الحديث (٣٨٠٠) - وابن حبان في صحيحه - رقم الحديث (٦٥٩٣).
وفي رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (٤٦٧) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (٢٤٣٢) (٣٨٠٠): خرقة.
(٢) الدسماء: السوداء. انظر النهاية (٢/ ١١٠).
(٣) أخرج استغفاره -صلى اللَّه عليه وسلم- لشهداء أُحد: ابن حبان في صحيحه - كتاب التاريخ - باب مرض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رقم الحديث (٦٥٩٦) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (٢١٩٥١) - وإسناده صحيح.
(٤) في رواية أخرى في الصحيح: المخيّر.

<<  <  ج: ص:  >  >>