للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعرفات فقد أدرك حجه" (١) قولُ أبي حنيفة, والعامَّة من فقهائنا والحاصل أنه وطئ قبل وقوف عرفات أفسد حجه ومضى فيه أي: تم أفعال حجه بأن يتحلل عن إحرامه بالوقوف في عرفات والطواف بالبيت سبعة أشواط، ليخرج عما التزمه من الحج صورة، ولو كان حجه فاسدا وإحرامه عبثًا فيذبح شاة ويقضي حجه من قابل سنة بإحرام جديد، كما قلنا في (سلم الفلاح شرح نور الإِيضاح).

وقال الشافعي: يجب عليه بدنة اعتبارًا بالجماع بعد الوقوف، بل أولى؛ لأن الجماع قبله في مطلق الإِحرام (ق ٥٥٣) وبخلاف بعده أجيب بأنه لما وجب القضاء في الجماع قبل الوقوف أخف معنى الجناية، فيجب الشاة، وقد روى البيهقي (٢) عن يزيد بن نعيم الإِسلامي التابعي أن رجلًا جامع امرأته وهما محرمان فسألا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهما: "اقضيا نسككما واهديا هديًا" واسم المهدي يتناول الشاة، كما يتناول البدنة وفي البدنة أكمل لكن الواجب انصراف المطلق إلى الكمال وفي الماهية لا إلى الأكمل وماهية الهدي كاملة فيها، وقد تقدم تحقيق هذا المبحث في تفسير قوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] وأن الجمهور على أنه الشاة، وأما جماعه بعد الوقوف بعرفات قبل الحلق سواء يقع قبل الرمي أو بعده فيوجب بدنة لما سبق في الحديث ولا يفسد حجه.

قال الشافعي: وهو أظهر القولين في مذهب مالك: يفسد إذا جامع قبل الرمي اعتبارًا لو جامع قبل الوقوف؛ لأن كلًا منهما قبل التحلل، وجوابه تقدم وإذا جامع بعد الحلق قبل الطواف يجب شاة، ولو جامع بعد طواف الزيارة وبعد الحلق فعليه شاة، لوجود الجماع في الإِحرام. كذا قاله علي القاري.

لما فرغ من بيان حكم حال الرجل يجامع امرأته بعرفات قبل أن يرجع شرع في بيان تعجيل الإِهلال، فقال: هذا

* * *


(١) تقدم قريبًا.
(٢) في السنن الكبرى (٥/ ١٦٦، ١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>